صدى الشعب -أسيل جمال الطراونة
يؤكد الدكتور يزن التل، الأستاذ المشارك في كلية الآثار والسياحة في الجامعة الأردنية، إلى أن السردية الأردنية ليست نصًا واحدًا أو رواية جاهزة، بل هي محصلة مجموعة من القصص المتراكمة التي تفسّر كيف تشكّل الأردن سياسيًا وتاريخيًا، وكيف تطوّرت الهوية الوطنية عبر الزمن، فضلًا عن الدور الذي أدّاه المجتمع الأردني في بناء دولته ورسم علاقته بالإقليم ، ومن هذا المنطلق، تُعد السردية الأردنية انعكاسًا للطريقة التي يرى بها الأردنيون أنفسهم وامتدادهم الحضاري.
ولفهم هذه السردية بصورة أشمل، يبيّن التل أن جذورها تمتد إلى الحضارات القديمة مثل إدوم ومؤاب وعمون، مرورًا بمدن الديكابولس وحضارة الأنباط التي تمثّل البتراء ذروتها، وصولًا إلى الفترات الرومانية والبيزنطية ثم الإسلامية، التي أضافت طبقات جديدة إلى المشهد التاريخي. وبالانتقال إلى العصر الحديث، ترتبط السردية الوطنية بقيم الثورة العربية الكبرى، ثم وصول الأمير عبدالله الأول إلى معان عام 1921، وما تلاه من تأسيس إمارة شرق الأردن وبناء مؤسسات الدولة الحديثة، الأمر الذي أسهم في ترسيخ الاستقرار وتشكيل هوية سياسية واضحة.
وفي السياق ذاته، تتشكل الهوية الوطنية من تنوّع المجتمع الأردني وثرائه الاجتماعي والقبلي، إضافة إلى الشرعية الهاشمية المستندة إلى النسب النبوي، وهو ما يعزز وحدة الأرض والشعب والمؤسسات.
كما تبرز السردية الجغرافية بوصفها جزءًا أساسيًا من هذه الهوية، إذ تشكل الصحراء بمسارات الحج والتجارة عنصرًا أصيلًا، فيما يمثّل وادي الأردن حاضنة زراعية نابضة بالحياة، إلى جانب المدن التاريخية مثل جرش وأم قيس ومادبا والبتراء، التي تربط الأردن بمجاله الحضاري الأوسع في بلاد الشام والجزيرة.
ومن جهة أخرى، تتضمن السردية الرسمية دور الأردن الإقليمي، سواء في حماية القدس، أو في مواقفه الثابتة تجاه القضية الفلسطينية، أو في حفاظه على نهجه السياسي المعتدل ومساهمته في استقرار المنطقة.
وبناءً على ذلك، يرى التل أن الحاجة إلى هذه السردية اليوم لا تتعلق بالماضي فقط، وإنما تُعد أداة ضرورية لفهم المستقبل وتعزيز الانتماء الوطني، فضلًا عن دورها في الخطاب الثقافي والسياحي والتراثي، وفي توحيد المجتمع في ظل التحولات المتسارعة.
ورغم ثبات بعض ركائزها، يؤكد التل أن السردية الأردنية ليست جامدة، بل تخضع لإعادة صياغة مستمرة نتيجة الاكتشافات الأثرية الجديدة، والمتغيرات السياسية والاجتماعية، وإعادة تقييم الموروث الثقافي. وانطلاقًا من ذلك، يشدد على أهمية الدور الأكاديمي والتراثي في بناء هذه السردية، من خلال تفسير المواقع الأثرية بمنظور وطني، وربط التراث المادي وغير المادي بالهوية المعاصرة، وإنتاج محتوى ثقافي وسياحي يعكس الدور التاريخي للأردن، فضلًا عن حماية النقوش والتراث الصحراوي باعتبارهما جزءًا أصيلًا من الحكاية الوطنية.
حيث يرى التل أن الأردن ليس مجرد دولة وحدود، بل مسار حضاري متصل تشكل عبر آلاف السنوات.






