صدى الشعب – راكان الخريشا
أقرّ مجلس الوزراء الاستراتيجية الوطنية الثانية للدراية الإعلامية والمعلوماتية (2026–2029)، تأكيدًا لالتزام الأردن بتعزيز الوعي الرقمي ومواجهة الأخبار المضللة وخطاب الكراهية. وجاءت الاستراتيجية بتكليف من وزارة الاتصال الحكومي، وبالتعاون مع معهد الإعلام الأردني وبدعم من اليونسكو، لترسيخ ثقافة التحقق والمسؤولية في التعامل مع المعلومات.
وتعزز الاستراتيجية موقع الأردن الريادي عربيًا ودوليًا، وهو ما تؤكده استضافة المملكة للأسبوع العالمي للدراية الإعلامية عام 2024. كما تمضي نحو إدماج هذه المفاهيم في التعليم والسياسات القطاعية، وصولًا إلى تحقيق متطلبات المستوى الرابع في تصنيف اليونسكو.
وباعتماد ستة مجالات رئيسية تشمل الحوكمة، وبناء القدرات، والإدماج التعليمي، والتوعية المستمرة، ومدن الدراية الإعلامية، والتمويل المستدام، تمثل الاستراتيجية ركيزة في مشروع التحديث الوطني، وتمهّد لبيئة رقمية أكثر وعيًا ومسؤولية في الأردن.
وفي هذا الإطار قالت رئيسة قسم الإعلام في جامعة البلقاء التطبيقية، الدكتورة ربا زيدان، إن الاستراتيجية الوطنية الثانية للدراية الإعلامية والمعلوماتية (2026–2029) تمثل خطوة نوعية ومتقدمة في مواجهة التحديات التي يشهدها الفضاء الرقمي، من انتشار للأخبار المضللة وخطاب الكراهية، وأكدت زيدان أن هذه الاستراتيجية تعكس استعداد الدولة الأردنية للانتقال من مجرد رفع الوعي العام إلى بناء منظومة متكاملة تحمي المعرفة وتعزز الثقة في المعلومات، مستندةً إلى ستة محاور رئيسية تشمل الحوكمة وبناء القدرات والإدماج في التعليم والتعلم مدى الحياة ومدن الدراية الإعلامية والتمويل المستدام، بقيادة وزارة الاتصال الحكومي وبالشراكة مع معهد الإعلام الأردني وبدعم من اليونسكو.
وقالت زيدان إن استدامة برامج الدراية الإعلامية في الجامعات تبدأ بالاعتراف بأن هذه الدراية ليست مشروعًا تدريبيًا مؤقتًا، بل مكونًا أساسيًا في بنية التعليم العالي، وأضافت أن تحقيق الاستدامة يتطلب تخصيص موازنات ثابتة داخل الجامعات، وتطوير مساقات تخصصية، واستحداث وحدات للبحث والتحقق الرقمي، إلى جانب رفع كفاءة أعضاء هيئة التدريس عبر شراكات محلية ودولية تضمن تحديث المعرفة بشكل مستمر، مؤكدةً أن الدراية الإعلامية لا يمكن أن تظل نشاطًا ملحقًا، بل يجب أن تصبح التزامًا مؤسسيًا حقيقيًا.
وأشارت إلى أن التحديات لا تقتصر على الجامعات، بل تمتد إلى التعليم المدرسي، حيث تكمن الإشكالية الكبرى في البنية التعليمية نفسها، من حجم التدريب الموجه للمعلمين وأدوات التفاعل في الصف، إلى قدرة المؤسسات على خلق مساحات آمنة للنقاش والتجريب. وأوضحت أن تغيير المناهج وحده لا يكفي، بل يحتاج الأمر إلى منظومة تدريب وتطبيق، وأنشطة طلابية فاعلة، وأندية وحوارات منتظمة تمنح الطلبة خبرة مباشرة في التعامل مع المعلومات.
ولفتت زيدان إلى الدور المحوري للجامعات في تعزيز ثقافة التحقق لدى الشباب، سواء عبر المساقات المتخصصة أو من خلال إنشاء مختبرات جامعية للتحقق Fact-checking Labs تعمل بآليات احترافية، مؤكدة أن البحث العلمي يشكل رافعة أساسية لفهم مصادر التضليل وأنماطه وسياقاته الاجتماعية، بما يتيح تقديم حلول تستند إلى بيانات موثوقة لا إلى انطباعات شخصية.
كما أشارت إلى أهمية الشراكات بين الأكاديميا والجهات الرسمية، مؤكدة أن نجاح الاستراتيجية يعتمد على قدرة هذه الشراكات على خلق جسور بين القطاعات المختلفة، وقالت إن التعاون بين وزارة الاتصال الحكومي ومعهد الإعلام الأردني والجامعات يعزز التكامل المؤسسي، ويوفر مرجعية موحدة للسياسات والبرامج التدريبية، مشيرة إلى أن هذه الشراكات ليست مجرد تفاصيل تنظيمية، بل شرط أساسي لنجاح أي جهد وطني لترسيخ ثقافة إعلامية مسؤولة.
وعن مهارات الإعلاميين الجدد، أكدت زيدان أن المشهد الإعلامي الحالي يتطلب قدرات تتجاوز العمل الصحفي التقليدي، تشمل إتقان التحقق الرقمي، وتحليل البيانات، وفهم الخوارزميات التي توجه تدفق المعلومات، إلى جانب القدرة على العمل في بيئات متعددة اللغات، والتمتع بوعي مهني وأخلاقي يحصّنهم من الانجرار وراء خطاب الكراهية والانحيازات غير الواعية، وأكدت أن الجامعات مسؤولة عن توفير هذا النوع من التعليم التأسيسي الذي يجمع بين التقنية والرسالة العامة للإعلام.
واختتمت زيدان حديثها بالتأكيد على أن الاستراتيجية الوطنية الثانية ليست مجرد وثيقة حكومية، بل إطار شامل يضع الأردن على مسار متقدم عالميًا ويعزز قدرته على بناء مجتمع واعٍ وقادر على التعامل مع البيئة الرقمية بثقة وكفاءة، مشددة على أن التحدي الحقيقي اليوم هو تحويل هذا الإطار إلى ممارسة يومية داخل الصفوف الجامعية والمدارس، وفي الفضاء العام الذي يتشكل كل يوم تحت ضغط المحتوى وسرعة الإيقاع.






