الخوف والقلق والغضب والإحباط مشاعر تتفشى في المجتمع بسرعة توازي انتشار الفيروس. بعض هذه المشاعر تتولد من تزايد الحالات والأخرى من التناقضات والتضارب في التصريحات، ومن غموض النظرية التي تستند إليها السياسات والإجراءات التي تقوم بها الحكومة.
حتى نهاية حزيران، اعتقدنا أننا في مأمن من الوباء، وأن الأردن لن يشهد ما شهدته الدول من ويلات وآلام. هذا الشعور تعزز بفعل الاستجابة المبكرة للدولة وسيطرتها على المنافذ الحدودية وتعاضد المؤسسات الصحية مع الأمنية والعسكرية والخدمية وتبنيها سياسة التباعد الجسدي وتطبيق بروتوكولات صارمة للدخول والحظر والحجر وتوفير سيل من المعلومات حول ما ينبغي على الجميع عمله للوقاية والحماية.
الحالة لم تدم طويلا بعد أن تنامت الثقة وانهالت الإشادات وتحسنت النظرة الشعبية للحكومة وأصبحنا نصدر بعض منتجات التعقيم للخارج واستقدمت البلاد آلاف الأشخاص من البلدان الموبوءة، وتولد لدى البعض الوهم بأننا أقدر من غيرنا على التقصي والمحاصرة.
الخطاب الحكومي للشارع الأردني بقي على ما هو عليه رغم تبدل الإجراءات وتغير حالة الوباء؛ حيث اكتفى بإخبار الناس بأعداد المصابين والمتعافين ومطالبتهم الالتزام بالقرارات التي تتخذ من وقت لآخر لتقييد الحركة والتشغيل الجزئي للقطاعات والغلق والعزل وتعليمات التجول والسلامة، ما أدى الى تولد فئتين من الناس؛ الأولى مذعورة من الوباء ومتشددة في التزامها بالتعليمات، والثانية بقيت مستهترة مستخفة متحدية لكل الأوامر والتعليمات ومكذبة لفكرة وجود الوباء.
اليوم لم يعد الأمر كما كان عليه في الأشهر السابقة، فقد تضاعفت الأرقام بمتوالية تفوق التنبؤات وأصبحت الإصابات اليومية تفوق طاقة المصحات المعدة لاستقبال الحالات وتزايدت الوفيات وبدأ المجتمع يشعر بالخطر الداهم أكثر مما هو متوقع. للمرة الأولى سجلت جميع محافظات المملكة حالات إصابة تجاوز بعضها المئات، وللأسبوعين الأخيرين أخذت أرقام الوفيات تتضاعف وإحساس الناس والمجتمعات المحلية بالفقد يتزايد، الأمر الذي أثر كثيرا على المزاج العام وولد المزيد من الخوف والغضب والحزن.
في أحد المستشفيات الأردنية، داهم أقارب أحد المرضى مكتب الإدارة مطالبين بإعادة الفحص مرارا ومستنكرين حقيقة أن قريبهم مصاب بـ”كورونا”. هذا المشهد يتكرر في العديد من الأقسام التي تستقبل المصابين. الأسباب التي يبديها الأهالي لسلوكهم الرافض تتعلق بعدم رغبتهم بأن يرحل الأحباء بلا وداع لائق، فمن الصعب عليهم تقبل أن يدفن الآباء والأمهات دون حضورهم ودون الطقوس والترتيبات التي تليق بهم. بالنسبة للكثير من الأبناء، من غير المعقول ولا المقبول أن لا يصلى على الوالدين أو أن لا تقام بيوت العزاء. هذه الاهتمامات والأسئلة والقضايا تحتاج الى من يتعامل معها ويجيب عنها بما يخفف من سورات الغضب ويقلل من حدة الرفض والعنف الذي يتولد لدى بعض الفئات.
في العديد من الأوساط الشعبية، باتت الحاجة واضحة لتحديث الخطاب الحكومي والمحتوى الذي يقدمه الناطقون الرسميون، فلم يعد يكفي الإعلام بعدد الحالات والوعيد لمن يخالف بأقصى العقوبات. أصبح من الضروري إعداد خطاب جديد يتعامل مع الحالة النفسية والمزاج الشعبي ويجيب عن أسئلة ومطالب الناس.
المرحلة الحالية للانتشار والأيام المقبلة تحتاج الى التعامل مع الانتكاسة والخيبات التي تولدت لدى الناس من تغير الاعتقاد بأنهم في مأمن من الوباء الذي قيل إنه سينشف ويموت الى حالة تفشّ واسعة لا تستثني مدينة ولا طبقة أو حيا. لا بد من مشاركة واسعة للأطباء النفسيين والمرشدين وخبراء الصحة النفسية ضمن الفرق الرسمية للإدارة والإعلام والتوجيه.
من غير المجدي أن نصدر بيانات جافة محشوة بأرقام من دون أن نحدث الأفراد ونهيئهم لما يمكن أن يتعرضوا له فيما لو أصيبوا أو أصيب أحد أفراد أسرهم. التعامل مع الأفراد في العزل ومعاناة الأفراد في الحجر والمستشفيات قضيتان في غاية الأهمية.
في جامعاتنا آلاف الأساتذة وطلبة الإرشاد والصحة النفسية وعلم النفس ممن يمكن توجيههم للتطوع والعمل وإعطاؤهم أدوارا في هذه الجائحة. من غير المعقول أن تكون استجابتنا مقصورة على سيل من الأوامر والممنوعات والعقوبات والتهديدات والأرقام. الوجه الإنساني الاجتماعي للدولة والحكومة مطلوب بشدة، فالمجتمع بحاجة لفهم ما يجري وكيفية التصرف، لا الى أوامر يطالب بتنفيذها أيا كانت معرفته وفهمه ومشاعره.