صدى الشعب – كتب: د.عايش النوايسة خبير ومستشار تربوي
يُعد انعقاد المؤتمر الأول حول جودة التعليم محطة محورية تعكس التوجه الاستراتيجي لوزارة التربية والتعليم نحو الارتقاء الشامل بالمنظومة التعليمية وتعزيز قدرتها على مواكبة المتغيرات المستقبلية. فقد جاء هذا المؤتمر تجسيدًا لحرص الوزارة على ترسيخ معايير الجودة والتميّز في التعليم، والاستناد إلى الخبرة الوطنية والدليل العلمي في تطوير السياسات التربوية، بما ينسجم مع الرؤية الملكية الحكيمة التي تضع التعليم في مقدمة أولويات التنمية المستدامة. ويؤكد المؤتمر التزام الوزارة بالمضي قدمًا نحو بناء نظام تعليمي أكثر ابتكارًا وشمولية، يقوم على تحديث المناهج، والارتقاء بالكادر التعليمي، وتوظيف التكنولوجيا، وتعزيز تكافؤ الفرص التعليمية في مختلف مناطق المملكة.
وفي إطار هذا التوجه، بدأت الوزارة خطوات عملية لإعادة تطوير هيكلها وعملياتها، بما يضمن تقديم تعليم عالي الجودة قادر على المنافسة إقليميًا ودوليًا، ويركز على الابتكار والشمولية ويعزّز قدرة النظام التربوي على دعم النمو الاقتصادي والاجتماعي. وقد جاء انعقاد المؤتمر الأول لجودة التعليم تحت عنوان:
“التصورات الحديثة حول جودة التعليم والدروس المستفادة: الواقع والرؤى الاستشرافية“
ليعكس عمق اهتمام الوزارة بتطوير قطاع التعليم واعتماد المعايير الوطنية والتجارب الناجحة، وبصورة خاصة التجربة الأردنية التي تتميز بتراث طويل في بناء السياسات التربوية.
وقد تناول المؤتمر أهمية الارتقاء بالمناهج الدراسية لتكون أكثر تركيزًا على تنمية المهارات الحقيقية للطلبة، بدلًا من الاقتصار على الحفظ والتلقين، إلى جانب تطوير معايير مهنة التعليم من خلال نظام ترخيص مهني يضمن استقطاب أفضل الكفاءات إلى الميدان التربوي. كما شدّد المشاركون على ضرورة الاستجابة للتحولات الرقمية العالمية، وتسريع عملية دمج التكنولوجيا في التعليم لتمكين الطلبة من الوصول إلى الموارد التعليمية المتنوعة عن بُعد، وتعزيز التعلم الذاتي والابتكاري، وربط مخرجات التعليم باحتياجات سوق العمل المحلي والدولي.
كما أكد المؤتمر أهمية ضمان تكافؤ الفرص لجميع فئات المجتمع الأردني من خلال توفير تعليم عالي الجودة في جميع المناطق، بما في ذلك المناطق النائية، وتعزيز الشمولية لذوي الاحتياجات الخاصة. ودعا إلى توسّع أكبر في مجالات التعليم المهني والتقني، بما يتلاءم مع متطلبات الاقتصاد الوطني والتحولات المستقبلية، إضافة إلى تطوير المنشآت التعليمية وتحديثها لضمان بيئة تعليمية محفزة وفعالة.
خلص المؤتمر إلى مجموعة متكاملة من التوصيات تمثلت في تطوير إطار وطني شامل لجودة التعليم يتجاوز القياس الكمي إلى قياس المهارات النوعية كالذكاء الاجتماعي وحل المشكلات والتفكير النقدي، والاستثمار في الكادر التعليميعبر برامج تطوير مهني مستمرة تعزز الكفايات الرقمية. كما أوصى بضرورة جعل المناهج أكثر مرونة وربطها بسوق العمل، وتفعيل منصات البيانات التعليمية لبناء نظام موحد لتحليل البيانات، إلى جانب تطوير البنية التحتية الرقمية لضمان وصول عادل للتعليم الرقمي. وشملت التوصيات أيضًا تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص من خلال حوافز تُسهم في دعم البنية التعليمية وتقديم الإرشاد المهني للطلبة، إضافة إلى مأسسة مشاركة أولياء الأمور عبر آليات واضحة وشفافة تدعم مشاركتهم المنتظمة في تقييم الجودة والتطوير المدرسي.






