صدى الشعب- في عصرنا الحديث، حيث تحيط بنا الأضواء الاصطناعية من كل جانب حتى في أوقات الراحة، يتزايد القلق حول الآثار السلبية لـ “التلوث الضوئي” على صحة الإنسان.
هذه الدراسة الحديثة تأتي لتسلط الضوء بقوة على ما كان يعتبر مجرد عادة غير صحية—النوم في وجود ضوء—وتحوله إلى منبه جاد حول خطر محتمل يتهدد بشكل مباشر صحة قلوبنا وأوعيتنا الدموية. إنها دعوة صريحة لإعادة النظر في بيئة نومنا لضمان الحماية الفسيولوجية.
ارتباط مقلق بين الإضاءة والنوبات القلبية
أظهرت نتائج دراسة موسعة، أجراها باحثون في مستشفى “ماساتشوستس” في بوسطن بالولايات المتحدة، أن هناك علاقة وثيقة ومقلقة بين التعرض للضوء أثناء فترة النوم وارتفاع احتمالية الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
هذه النتائج، التي عرضت ضمن جلسات الجمعية الأمريكية للقلب لعام 2025 (ولم تنشر بعد في دورية محكمة)، تعزز الفرضية القائلة بأن الإضاءة الليلية تشكل عبئا فسيولوجيا غير مرئي. أوضحت الدراسة أن إشعال الأنوار خلال الليل قد يسهم في إجهاد الدماغ والتهاب الشرايين، وهي معاملات حاسمة تؤدي في النهاية إلى زيادة خطر الإصابة بأحداث قلبية وعائية كبرى، مثل النوبة القلبية أو الجلطة الدماغية.
ولاحظ الباحثون ارتباطا مباشرا؛ فكلما ارتفعت مستويات التعرض للضوء الاصطناعي ليلا، ارتفعت معها مخاطر أمراض القلب في المستقبل.
حيث كشفت البيانات أن كل ارتفاع في نسبة الضوء بمقدار انحراف معياري واحد أدى إلى زيادة احتمالية الإصابة بنوبات قلبية بنسبة 35 بالمئة خلال السنوات الخمس التالية، وبنسبة 22 بالمئة خلال العشر سنوات اللاحقة. وبعد مضي 10 سنوات على بدء الدراسة، كان 17 بالمئة من المشاركين قد عانوا بالفعل من مشكلات قلبية وعائية كبيرة.
المشاركون ومنهجية البحث وتأكيد الخبراء
شملت الدراسة عينة واسعة بلغت 466 ألف بالغ، لم يكونوا مصابين بأمراض قلبية أو بالسرطان عند بداية البحث (بين عامي 2005 و 2008). اعتمد الباحثون على منهجية مبتكرة لقياس مستوى الضوء في بيئات نوم المشاركين؛ حيث استخدمت بيانات مستمدة من الأقمار الاصطناعية لتقدير الإضاءة الليلية في منازلهم. كما لوحظ أن الأشخاص الذين يعيشون في مناطق ذات ضوضاء عالية، أو بالقرب من الطرقات الرئيسية، أو في الأحياء الفقيرة، كانوا الأكثر عرضة للتأثيرات السلبية المضاعفة للضوء الليلي.
من جهته، يؤكد خبير النوم في جامعة أوبسالا بالسويد، جوناثان سيدرناس، على أن النوم في الظلام هو الخيار الأمثل للصحة، مشيرا إلى أن الأبحاث أثبتت أن الضوء الليلي يعطل أنظمة فسيولوجية عصبية حيوية، ويؤثر سلبا على عمليتي الأيض والالتهاب.
وبناء على هذه النتائج، نصح بتغطية نوافذ الغرفة قبل النوم، وسد جميع الفتحات، وارتداء قناع نوم لتهيئة بيئة نوم مثالية تساعد على استرخاء الجسم وتدعم صحة القلب على المدى الطويل.
