صدى الشعب – ليندا المواجدة
في ذروة نقاشات الموازنة العامة والبحث عن خيارات اقتصادية تخفّف من الاعتماد على الاقتراض، فتحت النائب ديمة طهبوب واحدًا من أكثر الملفات الاقتصادية حساسية: ملف الأصول الوقفية باعتباره رافعة تنموية مهملة يمكن أن توفر بدائل حقيقية للدَّين وتدعم الاعتماد على الذات.
طهبوب أوضحت أنها قدمت إلى وزارة الأوقاف سؤالًا نيابيًا من ستة فروع، طالبت فيه بكشف شامل عن صندوق الزكاة، ومقدرات الأوقاف، والاستثمارات القائمة، والجرد والصيانة في مختلف المحافظات. وجاء الجواب الحكومي في 121 صفحة، كشفت — بحسب طهبوب — عن “ثروة سيادية كامنة لم تُستثمر كما ينبغي، رغم قدرتها على تشكيل بديل اقتصادي مباشر يخفّف الضغط عن الموازنة”.
وتُظهر البيانات الرسمية أن الأوقاف تمتلك محفظة استثمارية واسعة موزعة على أربع فئات رئيسية:
أولًا: مشاريع BOT القائمة على أراضٍ وقفية
بلغ عددها 10 مشاريع، يصل حجم الاستثمار فيها إلى 80 مليون دينار، وتُعد من أهم النماذج الاستثمارية طويلة الأمد التي تستفيد منها الأوقاف دون أن تتحمل كلفًا تشغيلية عالية.
ثانيًا: المشاريع الاستثمارية المباشرة
وتنفذها الوزارة بنفسها، وتشمل 22 مشروعًا بكلفة إجمالية تبلغ 16.25 مليون دينار، ما يعكس حضورًا مباشرًا للوزارة في الاستثمار العقاري والخدمي.
ثالثًا: الاتفاقيات الاستثمارية والزراعية طويلة الأجل
وبلغ عددها 23 اتفاقية، بينها اتفاقية كبرى تستثمر 5173 دونمًا بحجم استثمار متوقع يصل إلى 80 مليون دينار، بما يجعلها من أكبر الأصول القادرة على دعم الأمن الغذائي والتنمية الزراعية.
رابعًا: العقود الاستثمارية للعقارات الوقفية
وقد أبرمت الوزارة 34 عقدًا تشمل مجمعات تجارية وسكنية وفنادق وقاعات، تتراوح مددها بين 5 و15 عامًا، وتبلغ القيمة الإجمالية لهذه العقود 5.344.650 دينارًا، وهو تدفق نقدي ثابت ومؤكد على المدى المتوسط.
وبذلك يبلغ مجموع حجم الاستثمارات الملتزم بها في الفئات الأربع نحو 181.59 مليون دينار، فيما يظهر التحليل المالي المرفق في رد الوزارة أن العوائد المتحققة من الاستثمارات الوقفية تتجاوز 7.6 مليون دينار سنويًا، مقابل قاعدة أصول رأسمالية تزيد قيمتها عن 180 مليون دينار، ما يوفر فائضًا يغطي النفقات ويتيح تمويل مشاريع جديدة.
لكن طهبوب تشير إلى أن الجزء الأكبر من القيمة الحقيقية لا يكمن في المشاريع القائمة، بل في الأصول الوقفية غير المستغلة.
فالرد الرسمي يُظهر أن نسبة 71% من إجمالي مساحة الأصول الوقفية المسجلة هي أصول غير مستغلة قابلة للتطوير والاستثمار، وتشمل:
• أراضٍ خالية جاهزة للاستثمار أو التأجير مباشرة.
• مساحات يمكن تحويلها إلى مشاريع مدرة للدخل بعد إعداد دراسات الجدوى.
• أراضٍ صالحة للاستثمار الزراعي تمثل فرصة مباشرة لدعم الأمن الغذائي.
وتؤكد طهبوب أن هذه الأصول موثقة في سجلات مفصّلة لكل محافظة، وأن انتشارها الجغرافي يعكس حجمًا واسعًا من الإمكانيات التنموية التي لم يتم استثمارها رغم توفر الفرص والاحتياجات الاقتصادية.
ووفق الجواب الوزاري، يبلغ حجم محفظة الأصول الوقفية المسجلة 8.637 دونمًا — أي أكثر من 8.6 مليون متر مربع من الأراضي والعقارات — وهي ليست مجرد ملكيات جامدة، بل احتياطي اقتصادي ضخم قادر على ضخ سيولة كبيرة في الاقتصاد الوطني، وخلق آلاف فرص العمل، ودعم قطاعات حيوية مثل الزراعة والصحة والتعليم والطاقة.
وتعطي طهبوب مثالًا مباشرًا على هذه الإمكانات، بالإشارة إلى الأراضي الزراعية الوقفية التي تبلغ 5100 دونم، معظمها في محافظتي المفرق ومعان، والتي يمكن أن تتحول إلى مشاريع زراعية كبرى تحقق قيمة مضافة وتدعم الأمن الغذائي في ظل التحديات الإقليمية.
وتضيف أن ما كشفته الأرقام يؤكد أن الوقف يمكن أن يكون “بديلاً تنمويًا حقيقيًا عن الاقتراض”، وأن تطوير هذه الأصول وتفعيلها كفيل بفتح مصادر دخل جديدة للدولة، وتخفيف الضغط على الموازنة العامة، وتعزيز الاعتماد على الذات بدل الاستمرار في اللجوء إلى الدين كحل وحيد.
وتختم طهبوب بسؤال مباشر للحكومة:
“هل تفعلها الحكومة وتلتفت إلى الوقف كمصدر للدخل والتنمية، ووسيلة لرتق بعض الرقع في الموازنة، بدل استمرار النهج القائم على الاقتراض؟”
وكشفت أنها ستقدّم خلال نقاشات الموازنة ورقة متكاملة عن هندسة الأصول الوقفية وتعظيم أرباحها ومنافعها إلى دولة رئيس الوزراء، أملاً في أن تكون خطوة نحو تفعيل هذا المخزون الوطني واستغلاله بالطريقة التي تليق بحجمه وقدرته وأثره
