صدى الشعب – بقلم شيماء العربي
نقف اليوم أمام شاشات هواتفنا لنتلقى سيلًا لا ينتهي من المقاطع القصيرة أو ما يُعرف بـ”الريلز”، حيث يطل علينا مئات الأشخاص يوميًا عبر نوافذ منصات التواصل بعضهم يقدّم محتوى مقصودًا وواعياً بينما آخرون يسيرون “مثل الأطرش في الزفّة”، بلا هدف واضح! وهنا يبرز سؤال جوهري: هل نستحق فعلًا هذا النوع من المحتوى؟ أم أن خلفه ما هو أخطر مما نتصور؟
مع تفجر الترندات وتزاحم الهاشتاغات، أصبحنا نجهل ما نملكه من حقائق أو وقائع أو حتى تغطية للأخبار؛ فالموجات سريعة والأخبار كثيرة والوجوه عديدة وفي ازدياد، لقد أصبحت كثرة الريلز ظاهرة تضخم من فكرة الوصول السريع إلى الشهرة، وتدفع كثيرين إلى مطاردة “الاكسبلور” بكل الوسائل الممكنة، سعياً للانتشار، ثم التحول إلى ما يُعرف بـ”المؤثر” أو الـInfluencer، وهنا يعود السؤال: هل هذا التحول طبيعي؟ أم أنه يدعو للقلق؟
اللافت أن هذه الظاهرة تشبه إلى حد بعيد القنبلة الموقوتة؛ فالجميع أصبح يبحث عن ذاته في عالم افتراضي، يُسجّل نفسه في عشرات المقاطع متنوّعة المحتوى، فقط ليضمن بقعة صغيرة من الضوء الرقمي، ويتسابق مع الآخرين لانتزاع موقعه في الترند بلا تردّد، مستعدًا للتخلي عن ما تبقى من خصوصيته مقابل لحظة انتشار.
ببساطة هذه الفيديوهات أصبحت مهنة! ولا تحتاج إلى العديد من سنوات الخبرة، يكفي أنك تملك هاتف نقال ليصنع لك المال، والكثير من المال الذي يبحث عنه الجميع في عصرنا هذا عصر المعلومات، والذي أطلق عليه العلماء أيضًا مؤخرا “عصر الأنثروبوسين”.
إن تضخم هذه الظاهرة، وانتشارها بوتيرة متسارعة، أمر يستحق الوقوف عنده، فمع كل ما يُخزَّن من محتوى، ومع كل لحظة نمنحها لهذا العالم الافتراضي، تتشكل بيئة موازية قد تقود البعض إلى الانفصال عن الواقع الحقيقي.
حيث يصبح الشخص أسيرًا للكاميرا، يلهث خلف التفاعل، ويعيش يومه على وقع الإعجابات والمشاهدات، يحقّق المال بالطبع وهي هدفه الاساسي لكنه قد يخسر شيئًا أكبر وهي حياته الواقعية.
في النهاية إن ظاهرة الريلز لم تعد مجرد وسيلة ترفيه عابرة، بل تحولت إلى ثقافة كاملة تشكّل وعي الأفراد وتعيد ترتيب أولوياتهم، وهي ظاهرة تستحق الدراسة والقلق في آنٍ واحد، لأنها في نهاية المطاف قد تخلق مجتمعًا مُشاهدًا أكثر منه مجتمعًا فاعلًا، وعالمًا افتراضيًا هشًّا مهددًا بالاختفاء في أي لحظة.






