صدى الشعب – كتبت رُولا حبش
هناك حقيقة خفية تحيط بنا جميعاً: أفكارنا لا تعبر فقط عمّا بداخلنا، وليست حالة ذهنية عابرة، بل هي القوة التي تُعيد تشكيل واقعنا لحظة بلحظة.
كل حضارات الأرض، وكل النصوص الروحية القديمة، حملت هذه الرسالة بطرق مختلفة، وكأن الكون كان يهمس للإنسان منذ البداية: انتبه لفكرتك… لأنها بداية الطريق.
عندما تظهر داخل الإنسان فكرة مظلمة، نجد النصوص القديمة تطلب منه أن يقطعها فوراً، أن يستعيض عنها بفكرة نور، بفكرة أمل، بفكرة تعيد اتزان القلب. لذلك جاءت الإشارات الروحية التي تقول: (أعوذ بالله)، أو (لا تخافوا… آمنوا فقط)، أو (ولا تهنوا ولا تحزنوا)، أو (لا تضطرب قلوبكم).
وكلها تحمل المعنى ذاته: لا تترك الفكرة السلبية تبني لك مستقبلاً لا يشبهك.
ثم تأتي الحكمة العميقة في كلمات مثل: (كما يفكر الإنسان في نفسه، هكذا يكون)، أو (إن مع العسر يسراً).
هذه الجُمل ليست مجرد عزاء روحي، وليست كلمات مواساة… بل هي خريطة وعي تُعلِّم الإنسان أن الفكرة ليست وصفاً للواقع، بل هي البذرة التي تصنعه.
العلم الحديث يشرح هذا بنفس المعنى ولكن بلغة مختلفة. الفكرة تُطلق موجات كهربائية داخل الدماغ، هذه الموجات تغيّر كيمياء الجسد، والكيمياء تغيّر ردود الفعل والسلوك.
وعندما يتغير السلوك، يتغير الواقع الخارجي خطوة خطوة.
الفكرة السلبية تزيد من هرمونات التوتر، تضيق الوعي، تحوّل الإنسان نحو ردود فعل تخلق نتائج تشبهها.
والفكرة الإيجابية تفتح الجهاز العصبي، تهدئ القلب، وتوجّه الإنسان نحو خيارات تصنع واقعاً أفضل.
كأن الكون يتحرك وفق الاهتزاز الذي تختاره أنت داخلياً.
لهذا كانت النصوص القديمة دائماً تُذكّر الإنسان بأن الخير يفتح أبواباً، وأن الظن الحسن يغيّر الطريق، وأن النية الطيبة تُقرّب الإجابة، وأن الكلمة الطيبة تصعد.
كلها تعبيرات مختلفة عن حقيقة واحدة: الداخل هو الذي يصنع الخارج.
الفكرة التي نُطيل بقاؤها في عقولنا تتحوّل إلى عادة، والعادة تتحوّل إلى شخصية، والشخصية تتحول إلى مصير.
وهذه السلسلة—التي يُثبتها علماء الأعصاب اليوم—هي نفسها الرسالة التي حملتها الكتب المقدسة والحكماء منذ آلاف السنين.
ولذلك، عندما يفهم الإنسان هذه الحقيقة، يبدأ يختار فكرته بعناية أكبر.
لا يترك الظلام يمتدّ، ولا يسمح للفكرة الثقيلة أن تستقر.
لأن الفكرة ليست مجرد زائر، وليست جملة تمرّ في الرأس… بل هي حجر الأساس في البيت الذي نعيش فيه لاحقاً.
وفي النهاية، الإنسان لا يعيش الأحداث كما هي، بل يعيش الفكرة التي يفكر بها تجاه هذه الأحداث.
واقعنا ليس ما يحدث لنا، بل هو تفسيرنا… نظرتنا… الزاوية التي نختارها لنرى منها العالم.
وحين ندرك أن اختيار هذه الزاوية بين أيدينا، نفهم أخيراً أن الواقع ليس جامداً…
الواقع مرن، يتغير مع كل فكرة جديدة نسمح لها أن تنمو في داخلنا.
