الحلالشة لصدى الشعب: الرجوع إلى المصدر الرئيسي بات شرطًا أساسيًا في العمل الصحفي المعاصر

صدى الشعب – راكان الخريشا
في زمن تتسارع فيه الأخبار وتتنوع فيه المنصات وتزداد فيه تحديات التحقق والمصداقية، تبرز الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى العودة للمصدر الأصلي للمعلومة، كأحد أهم ركائز العمل الصحفي المهني، فبين الكم الهائل من المعلومات المتداولة على وسائل الإعلام التقليدية والمنصات الرقمية، تزداد مسؤولية الصحفي والمؤسسة الإعلامية في حماية وعي الجمهور من التضليل، عبر التثبت من الأخبار قبل نشرها، والالتزام بأعلى معايير الدقة والشفافية.
وفي السياق قالت رئيسة قسم الصحافة والإعلام في الجامعة الأردنية، الدكتورة نفين الحلالشة، إن العودة إلى المصدر الأولي ليست مجرد معيار مهم لمهنية الصحفي وصدقية المؤسسة الإعلامية، بل هي أيضًا علامة على جدية الصحفي، وهي اليوم شرط أساسي لمهنيته ومصداقيته أمام الجمهور، والرجوع إلى المصدر الرئيسي يُعدّ أحد أهم أسس العمل الصحفي العالمي بشكل عام، إذ يمنح الجمهور انطباعًا بالثقة تجاه الصحفي كفرد، وكذلك تجاه المؤسسة الإعلامية التي يعمل بها، والممارس لهذه العملية يدرك أن الرجوع إلى المصدر الرئيسي ليس أمرًا سهلاً، فهو يحمل في طياته تحديات متعددة، ويتطلب في الوقت الراهن إتقان أدوات وأساليب واستراتيجيات رقمية حديثة، والرجوع إلى المصدر الرئيسي وحده غير كافٍ، إذ لا بد أن يرافقه قدر عالٍ من المصداقية والشفافية، حتى تُنقل الرسالة الإعلامية بطريقة صحيحة ومتقنة، وفي نهاية المطاف، تُعد هذه الممارسات من أهم المعايير التي تكسب الصحفي والمؤسسة الإعلامية ثقة الجمهور، وتسهم في بناء سمعة مهنية راسخة مع مرور الزمن.
وأضافت الحلالشة عندما يقوم الأفراد أو المؤسسات بنشر أخبار دون التحقق الكافي من مصادرها ومدى صحتها، ودون التأكد مما إذا كانت حقيقية أو غير حقيقية، موثقة أو غير موثقة، فإن ذلك يؤدي حتمًا إلى نسبة من الخطأ في هذه المعلومات، ونعلم أن بعض المعلومات الخاطئة، إذا ما تم تداولها على نطاق واسع، قد تترك تداعيات خطيرة على المجتمع والرأي العام. لذلك، فإن عدم التحقق من صحة المعلومات قبل نشرها يجعل الأفراد أو المؤسسات شركاء في نشر الأخبار الخاطئة أو المضللة، ومع مرور الوقت، يؤدي هذا السلوك إلى تآكل الثقة من قبل الجمهور تجاه هذه المؤسسات أو الأفراد، لتفقد في النهاية مصداقيتها بشكل كامل، وتصبح ذات سمعة سيئة في الوسط الإعلامي والمجتمعي، وخاصة في الوقت الحالي، أصبح الخطأ في نقل المعلومة أمرًا غير قابل للحصر بسبب سرعة انتشار الأخبار وتعدد المنصات الرقمية.
وأشارت الحلالشة عملية التحقق من البيانات وموثوقية المعلومات أصبحت في الوقت الراهن مهمة معقدة للغاية، خصوصًا مع الانتشار الواسع لتقنيات الذكاء الاصطناعي التي دخلت إلى مختلف الوسائط الإعلامية، سواء كانت مرئية أو مسموعة أو مقروءة. فعملية التحقق من صحة المحتوى في ظل هذا التطور لم تعد سهلة إطلاقًا، وفي الوقت الحالي، لم يعد الأمر مقتصرًا على جهود الأفراد في التحقق من المعلومات، بل أصبح يتطلب وجود برامج وأدوات تقنية متخصصة، بعضها مكلف ويحتاج إلى موارد كبيرة لضمان دقة النتائج، ومع التطور المتسارع في تقنيات التزييف العميق “Deepfake”، بات من الصعب أحيانًا اكتشاف ما إذا كانت المواد المنشورة حقيقية أم مزيفة، حتى مع وجود أدوات المراقبة والتحقق المتقدمة، ولذلك فإن عملية التحقق لم تعد بسيطة أو يمكن القيام بها بسهولة على مستوى الفرد أو المؤسسة، بل أصبحت تتطلب جهدًا منظمًا، وخطة استراتيجية واضحة، وبرامج تقنية حديثة، بالإضافة إلى كوادر مؤهلة تمتلك مهارات عالية ومتخصصة في هذا المجال الحيوي.
وأوضحت الحلالشة عندما نحاول الموازنة بين سرعة النشر ودقة المعلومة نجد أنفسنا كصحفيين أو كمؤسسات إعلامية أمام تحدٍّ حقيقي فالجميع يسعى لأن يكون السبّاق في نشر الأخبار، وهذه السرعة بلا شك تسهم في زيادة قاعدة الجمهور وثقة المتابعين بالمؤسسة الإعلامية، والقيمة الأسمى التي تتربع على قمة هرم القيم الإعلامية هي المصداقية. فالمؤسسة الإعلامية أو الصحفي، عندما يضع المصداقية في كفة وسرعة النشر في الكفة الأخرى، لا بد أن ترجح كفة المصداقية، لأنها أساس الثقة والاستمرارية في العمل الصحفي، ورغم أهمية سرعة النشر، إلا أنه يمكن اتباع استراتيجيات ذكية توازن بين الأمرين، مثل تأجيل النشر لفترة قصيرة بهدف الوصول إلى المعلومة الدقيقة من مصدرها الصحيح قبل نشرها، أو اتباع استراتيجية التجزئة، أي البدء بالعناوين الرئيسية أولًا، ثم تحديث الخبر تباعًا كلما توفرت تفاصيل جديدة، وأميل دائمًا إلى نشر ما هو موثوق ومؤكد حتى لو تأخرت قليلًا، بدلًا من نشر ما قد يتضح لاحقًا أنه غير دقيق. ودائمًا ما أؤكد لطلابي أن بناء علاقات مهنية قوية يعد من أهم الأدوات التي تتيح للصحفي الحصول على المعلومة بسرعة ومن مصدرها الموثوق، ما يمنحه الأفضلية في الجمع بين الدقة والسرعة، وأما في حال عدم امتلاك هذه المهارات أو الشبكات من العلاقات، فالأَولى هو ترجيح كفة المصداقية، إما بنشر المعلومات المتوفرة تدريجيًا عند التأكد من صحتها، أو بتأجيل النشر إلى حين الحصول على التفاصيل الكاملة من مصدرها الرئيسي. بهذه الطريقة، تحافظ المؤسسة الإعلامية على ثقة جمهورها، وتؤدي رسالتها بمهنية ومسؤولية.
وبينت الحلالشة الالتزام بالمصادر الأصلية يسهم بشكل كبير في الحد من الإشاعات وتزييف الوعي العام. فحين يعتمد الصحفي أو المؤسسة الإعلامية على الجهات التي عايشت الحدث مباشرة، أو على أشخاص كانوا جزءًا منه ولديهم معرفة دقيقة بتفاصيله وتداعياته، فإن ذلك يقلل من الاعتماد على المصادر الثانوية التي قد تكون منقولة أو قائمة على تحليلات واجتهادات شخصية، وهذا النهج يحد من احتمالية وقوع الأخطاء التي قد تنتج عن نقل المعلومات من مصادر غير مباشرة أو منحازة، وبالتالي يقلل من انتشار الأخبار المضللة أو المشوهة، وكما أن المؤسسات الإعلامية التي تتيح لجمهورها معرفة كيفية استنادها إلى المصدر الأصلي، وتوضح آلية التحقق من المعلومات قبل نشرها، تعزز من مصداقيتها في نظر القارئ. ومع مرور الوقت، تتشكل لدى الجمهور قناعة وثقة بأن ما يصدر عن هذه المؤسسة يتمتع بالموضوعية والموثوقية، وأنها لا تنخرط في نشر الشائعات أو التلاعب بالحقائق، وفي المقابل فإن تجاهل المؤسسة الإعلامية للمصادر الأصلية رغم توفر إمكانية الوصول إليها، يفتح الباب أمام الشكوك حول نواياها ومهنيتها، وقد يجعل الجمهور يظن أنها تساهم في تضليل الرأي العام أو تشويه الوعي الجمعي، والالتزام بالمصادر الأصلية يُعدّ استراتيجية أساسية لبناء مناعة مهنية وأخلاقية لدى المؤسسة الإعلامية، تحميها من الانزلاق نحو نشر المعلومات المغلوطة، وتضمن استمرار ثقة الجمهور بها كمنبر صادق ومسؤول.
ونوهت الحلالشة على الصحفي أن يمتلك مهارات تتجاوز الكتابة والسرد؛ فهو بحاجة إلى مهارات الوصول إلى المعلومات، والتحقق منها، واستخدام الأدوات الرقمية والبرمجيات، ومهارات التصفح والبحث على الإنترنت للعثور على المصادر الرئيسية، وكلما امتلك الصحفي مهارات فعلية في الوصول إلى الأشخاص الذين عاشوا الحدث، ومهارات تعامل مع الإنترنت والبرامج المتخصصة، كان أقرب إلى الوصول للمصدر الحقيقي للمعلومة، ومن الأساليب المهمة التي يجب أن يلجأ إليها الصحفي التوثيق، وبات التوثيق في هذه الأيام رقميًا أكثر منه يدويًا. لذلك من الضروري أن يعرف الصحفي كيف يسجل ويحتفظ بالتسجيلات والنسخ الأصلية، وكيف ينسخها ويحفظها بشكل آمن يمنع العبث أو الوصول غير المصرح به، وكما يجب أن يمتلك الصحفي مهارات للتحقق من كون مصدر معين مصدرًا رئيسيًا أم ثانويًا، وللتأكد من شخصية الممنوح أو ناقل المعلومة. خلاصة القول هناك عدد كبير من المهارات والأساليب والأدوات والبرمجيات الحديثة التي باتت ضرورية لعملية التحقق والوصول إلى المصدر الحقيقي للمعلومة.
وشددت الحلالشة لابد للصحفي أن يتحرى المعلومة ويتأكد من صحتها قبل نشرها، وأن ينقلها بطريقة حيادية وموضوعية، وكما يجدر به أن يلجأ إلى المصادر الرئيسية بشكل أساسي، وأحيانًا إلى المصادر الثانوية التي يمكن أن تسهم في تقديم الصورة الكاملة للحدث من مختلف الزوايا، بحيث ينقل المعلومة بكل أوجهها بدقة وشفافية.