البس: صادرات الكيماويات الأردنية تتجاوز 1.4 مليار دينار
البس: فرص تصديرية غير مستغلة تقدر بـ1.8 مليار دينار
صدى الشعب – سارة سامي
قال ممثل قطاع الصناعات الكيماوية ومستحضرات التجميل في غرفة صناعة الأردن، المهندس أحمد البس، إن قطاع الصناعات الكيماوية ومستحضرات التجميل يُعدّ أحد المحركات الرئيسة للابتكار والاستدامة في الاقتصاد الوطني، ويُعتبر من أهم ركائز الصناعة الأردنية وأكثرها تشابكًا مع القطاعات الاقتصادية الأخرى، مثل الصناعات الزراعية والدوائية والإنشائية والبترولية.
وأضاف البس خلال حديثه لـ”صدى الشعب”، أن هذا القطاع يحتل المرتبة السابعة بين قطاعات الصناعات التحويلية، ويضم أكثر من 744 منشأة تعمل برأسمال يقارب 784 مليون دينار، وتُشغّل ما يزيد على 16.8 ألف عامل، يشكّل الأردنيون منهم نحو 90 بالمئة، ما يجعله من أكثر القطاعات قدرةً على توفير فرص العمل وتعزيز التنمية الصناعية المحلية.
وأوضح أن القطاع يمتلك قدرات إنتاجية ضخمة تتجاوز 4 مليارات دينار سنوياً، وتصل القيمة المضافة فيه إلى نحو 1.7 مليار دينار، أي ما يعادل 40 بالمئة من إجمالي الإنتاج، وهي نسبة تعكس عمق مساهمته في الاقتصاد الوطني، حيث يمثل نحو 24 بالمئة من إجمالي الإنتاج الصناعي و5.2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي وفقاً لأحدث بيانات عام 2024.
وأشار إلى أن الصناعات الكيماوية تغطي قرابة 79 بالمئة من احتياجات السوق المحلي من منتجاتها، مثل المنظفات والمعقمات ومستحضرات التجميل، التي أصبحت جزءاً أساسياً من حياة المواطن اليومية.
وفيما يتعلق بالصادرات، بيّن أن صادرات القطاع بلغت خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2024 نحو 1.478 مليار دينار، رغم انخفاض الأسعار العالمية لبعض المواد مثل الأسمدة، ورغم تراجع الصادرات بنسبة 5 بالمئة، إلا أن القطاع شهد نمواً في أسواق جديدة مثل الولايات المتحدة (+38%)، اليابان، فنلندا، والبرازيل، وتصل صادراته إلى أكثر من 112 سوقاً عالمياً، مع فرص تصديرية غير مستغلة تُقدّر بنحو 1.8 مليار دينار، خاصة في أسواق جنوب آسيا التي تمثل نحو 56 بالمئة من الفرص المحتملة.
وأكد أن هذا الأداء المتنوع يبرهن أن الصناعات الكيماوية تمثل قطاعاً محورياً في تحقيق مستهدفات رؤية التحديث الاقتصادي (2023–2033)، التي تبنّته كأحد القطاعات ذات الأولوية، وتسعى لرفع مساهمته في الناتج المحلي إلى 1.4 مليار دينار بحلول عام 2033، وزيادة صادراته إلى 5.4 مليار دينار، بما يعزز موقع الأردن كمركز إقليمي للصناعات الكيماوية المتقدمة والمستدامة.
مساهمة القطاع وأثره غير المباشر في الاقتصاد الوطني
وحول بقاء مساهمة الصناعات الكيماوية عند حدود 1.5 بالمئة من الناتج المحلي ، أوضح أن هذه النسبة ليست محدودة فعلياً، إذ يتداخل إنتاج القطاع مع العديد من الصناعات الأخرى مثل البلاستيكية والدوائية والإنشائية والزراعية، حيث تُستخدم منتجاته كمدخلات إنتاج أساسية لتلك الصناعات.
وبيّن أن هذا التداخل يؤدي إلى احتساب جزء من الأثر الاقتصادي الفعلي للقطاع ضمن قطاعات أخرى، ما يقلل من ظهوره في الأرقام الإجمالية رغم مساهمته غير المباشرة في دعم الإنتاج الصناعي الوطني.
وأشار إلى أن القطاع يواجه عدداً من التحديات البنيوية التي تحد من نموه، من أبرزها التركيز على إنتاج السلع الكيماوية الأساسية منخفضة القيمة المضافة، مثل المنظفات والمبيدات والأسمدة التقليدية، والتي تعتمد على المنافسة السعرية، مقارنة بالصناعات الكيماوية المتقدمة ذات التقنيات العالية كالصناعات الدقيقة وكيماويات الأدوية والإلكترونيات.
وأضاف أن ضعف الاستثمار في البحث والتطوير والابتكار الصناعي يحد من قدرة المصانع على تطوير منتجات جديدة قادرة على المنافسة في الأسواق العالمية، إلى جانب غياب التقنيات الحديثة والتحول الرقمي والأتمتة الصناعية في بعض خطوط الإنتاج، ما يؤثر على الكفاءة ويرفع الكلف التشغيلية.
ولفت إلى أن القطاع يواجه كذلك منافسة قوية من الشركات الإقليمية والعالمية ذات الإنتاج الضخم والتكلفة المنخفضة، إضافة إلى ضعف القدرات التسويقية لدى بعض الشركات الأردنية، ما يحد من قدرتها على التوسع في الأسواق الخارجية.
وأكد أن هذه التحديات مجتمعة تسهم في خفض القيمة المضافة للقطاع وتحد من نموه، إلا أن نسبة 1.5 بالمئة تُعد قاعدة يمكن البناء عليها، إذا ما جرى تعزيز التكامل الصناعي، ودعم الابتكار والتكنولوجيا كمدخل رئيسي لرفع القيمة المضافة وتعزيز تنافسية القطاع عالمياً.
تحديات القطاع كلف الإنتاج والطاقة والإجراءات التنظيمية
وبيّن أن القطاع يواجه مجموعة من التحديات التنظيمية والإجرائية، أبرزها تعدد جهات الرقابة والتفتيش، خصوصاً المتعلقة بالمواد الكيماوية المستوردة ذات الاستخدام المزدوج، إذ تخضع لإجراءات أمنية معقدة وطويلة تؤثر على انسياب المواد الخام وترفع الكلف التشغيلية.
وأضاف أن ارتفاع كلف الإنتاج والطاقة مقارنة بالدول المنافسة يشكل أحد أبرز المعيقات أمام تنافسية القطاع داخلياً وخارجياً، إلى جانب صعوبة إجراءات ترخيص استخدام الطاقة الشمسية في المصانع رغم أهميتها في خفض الكلف وتعزيز الاستدامة.
وأشار إلى أن الصادرات الأردنية من المنتجات الكيماوية تواجه عوائق تجارية متعددة، منها عدم التزام بعض الدول باتفاقيات التجارة العربية، وفرض إجراءات تحد من دخول البضائع الأردنية إلى أسواقها، فضلاً عن ممارسات التفتيش الدقيق التي تؤدي إلى تأخير الشحن أو تلف البضائع أحياناً.
ولفت إلى أن نقص تزويد مصانع الأسمدة بمادة حامض الفسفوريك محلياً يجبر الشركات على استيراده من الخارج بأسعار مرتفعة، ما يرفع كلفة الإنتاج ويضعف القدرة التنافسية.
كما أشار إلى التحديات البيئية المتعلقة بإدارة النفايات والمخلفات الكيماوية، في ظل غياب حلول متكاملة للتخلص الآمن منها وفق المعايير الدولية، وهو ما يعيق حصول المصانع على شهادات الجودة والامتثال البيئي اللازمة للتصدير.
وأضاف أن الأسواق المحلية تعاني من دخول منتجات كيماوية مستوردة لا تتطابق مع المواصفات الأردنية، إلى جانب ارتفاع كلف الفحوصات المخبرية وعدم حصول بعض المختبرات على الاعتمادات الرسمية، ما يضيف أعباء مالية إضافية على المصنعين.
فرص النمو والتحول نحو الصناعات الخضراء
وأكد أن قطاع الصناعات الكيماوية يمتلك فرصاً كبيرة لتعزيز صادراته من خلال استغلال موقع الأردن الاستراتيجي واتفاقياته التجارية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول الجوار، إلى جانب التحول نحو الصناعات الكيماوية الخضراء والمستدامة.
وأوضح أن تطوير منتجات عالية القيمة المضافة، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية ونقل التكنولوجيا، ودعم البحث والتطوير في الكيمياء الصناعية والخضراء، تشكل محاور أساسية لخلق منتجات مبتكرة تلبي المعايير الدولية وتفتح أسواقاً جديدة، بما يضمن ميزة تنافسية مستدامة للصادرات الأردنية.
تعزيز التكامل الصناعي وسلاسل القيمة
وأشار إلى أهمية ربط الصناعات الكيماوية بالقطاعات الإنتاجية الأخرى، لاسيما البناء والزراعة والطاقة، من خلال توفير مواد عالية الجودة مثل البلاستيك والعوازل والمطاط الصديق للبيئة، ودمج الطاقة المتجددة لتقليل التكاليف وتعزيز الاستدامة.
وبيّن أن تعزيز التكامل الصناعي يتطلب إقامة مجمعات صناعية تجمع الشركات الكيماوية والقطاعات المكملة، وتشجيع الشراكات بين الشركات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، وتطوير شبكات توريد محلية تقلل الاعتماد على الاستيراد.
كما دعا إلى الاستثمار في الابتكار والبحث العلمي بالتعاون مع الجامعات ومراكز التطوير، واعتماد التصنيع الذكي والأتمتة الصناعية وتحليل البيانات، مع التركيز على المواد المستدامة والمنتجات الصديقة للبيئة لتعزيز القدرة التنافسية دولياً.
تعاون حكومي وخاص لمضاعفة مساهمة القطاع في الناتج المحلي
وأكد البس أن مضاعفة مساهمة الصناعات الكيماوية في الناتج المحلي تتطلب شراكة حقيقية بين الحكومة والقطاع الخاص ضمن إطار رؤية التحديث الاقتصادي.
وأوضح أن على الحكومة تفعيل محاور الرؤية المتعلقة بتمكين الصناعة من خلال تحديث التشريعات وتبسيط الإجراءات وتقديم الحوافز الاستثمارية، بما يشمل الإعفاءات الضريبية ودعم كلف الطاقة والنقل، وتطوير البنية التحتية الصناعية، وإنشاء مناطق متخصصة بالصناعات الكيماوية ومرافق لوجستية متكاملة.
كما دعا إلى دعم الابتكار والبحث العلمي التطبيقي في مجالات الصناعات الكيماوية الخضراء والمتقدمة، بما يتماشى مع التحول نحو الاقتصاد المستدام.
وشدد على ضرورة أن يواكب القطاع الخاص هذه الجهود بالتحول نحو التصنيع المتقدم والمنتجات عالية القيمة المضافة، والاستثمار في التكنولوجيا والطاقة المتجددة، وفتح أسواق جديدة، والحصول على شهادات الجودة العالمية.
وأكد على أن تحقيق هذه الأهداف يستدعي تنسيقاً مؤسسياً دائماً بين القطاعين العام والخاص، عبر إنشاء صناديق لدعم الابتكار ومراكز بحث وتطوير مشتركة، وبرامج تدريب وتأهيل للكوادر الوطنية، مشيراً إلى أن رؤية التحديث الاقتصادي تشكل فرصة حقيقية لإعادة هيكلة القطاع الكيماوي وتعزيز مكانة الأردن كمركز إقليمي للصناعات الكيماوية المتقدمة والمستدامة.
