صدى الشعب – كتب: د.عايش النوايسة
لا شكّ أن هناك خللًا واضحًا في عمليات التعليم والتعلّم، خصوصًا في جانب ربط المعرفة بالحياة، سواء من حيث التطبيق العملي داخل الصف أو خارجه. ويعود ذلك إلى التركيز على النمط التقليدي في التعليم، وربطه بالاختبارات التحصيلية المعرفية التي تُعنى بقياس مخزون المعرفة لدى الطلبة أكثر من تركيزها على المهارات العملية والحياتية.
كما أن البيئة الصفّية لا تشجّع بالشكل الكافي على توظيف المعرفة في الحياة الواقعية أو ربطها بالتوجهات المستقبلية للمهن المطلوبة، وذلك لأسباب متعددة، منها الاكتظاظ الطلابي، ومحدودية الموارد التقنية والرقمية، وضعف تدريب المعلّمين، ومقاومة التغيير في بعض البيئات التعليمية.
ورغم أن وزارة التربية والتعليم بذلت جهودًا كبيرة منذ منتدى التعليم نحو المستقبل عام 2001، وما تلاه من إطلاق مشروع تطوير التعليم نحو اقتصاد المعرفة الذي هدف إلى تدريب المعلّمين وتطوير المناهج لربط المعرفة بالمهارات الحياتية، إلا أن الفجوة ما زالت قائمة بين النظرية والتطبيق. فالمناهج الحالية تُعدّ متطورة وتلبي احتياجات الطلبة، لكنها تصطدم بواقع التنفيذ داخل الغرف الصفّية. ومع ذلك، نجد أن بعض المعلمين يطبقون هذه المناهج بفاعلية، مما يرفع مؤشرات النجاح في مدارس محددة.
وأظهرت نتائج تقرير وحدة المساءلة تفوق مدارس الإناث في مجال تطبيق المعرفة وربطها بالحياة من خلال الممارسات اليومية داخل الصفوف. في المقابل، بيّن التقرير أن عددًا من المدارس الأخرى سجّل أداءً ضعيفًا في هذا الجانب، خصوصًا فيما يتعلق بربط المعرفة بالمهن المستقبلية. ويمكن تفسير ذلك بعاملين رئيسين:
الأول يرتبط بدور المرشد التربوي، والثاني بأداء المعلّمين، حيث تبرز الحاجة اليوم إلى تعزيز الإرشاد المهني داخل المدارس.
وقد عملت الوزارة فعلًا على توسيع نطاق الإرشاد المهني من خلال إنشاء قسم متخصص في إدارة التعليم والتدريب المهنييمارس مهامه بالتعاون مع قسمي الإرشاد والتعليم المهني في مديريات التربية والتعليم كافة.
لذلك، نحن بحاجة إلى تطوير الممارسات الصفّية في توظيف المعرفة من خلال تحسين استراتيجيات التدريس النشط، وتنمية مهارات التفكير الناقد والإبداعي وحل المشكلات لدى الطلبة. كما يتطلّب التوجيه نحو المهن المستقبلية تكاملاً بين جهود المدرسة وتوجهات الوزارة، وهو ما يظهر بوضوح في تبنّي الوزارة لمسارٍ يربط بين مخرجات التعليم وسوق العمل.
إن هذا النوع من التعليم أصبح اليوم ضرورة أساسية لتنمية مهارات القرن الحادي والعشرين، التي تشمل المعارف والمهارات والقيم والخبرات اللازمة لنجاح الطلبة في الحياة والعمل. فهي تمثل مزيجًا من المعرفة بالمحتوى، والمهارات التخصصية، والخبرة العملية، والقيم الإنسانية، وتستهدف تربية جيلٍ من المفكرين والمتعلمين والمبدعين القادرين على التفكير الإبداعي والتأملي والنقدي، وعلى حل المشكلات والتعاون الفعّال مع الآخرين في البيت والعمل والمجتمع.
خبير ومستشار تربوي






