صدى الشعب – كتبت آلاء العلي
الظالمون لا يكتفون بأن يؤلموك بل يصيغون الألم قصة تبررهم ويقدمونها للناس كدرس أخلاقي منمق يضحكون حين يجلدون ويبكون حين يختبئون خلف دموعهم ثم يخرجون من جيوبهم ألف عذر لما فعلوه جرح قديم سوء فهم موقف عابر كل ذلك لتسكين ضمائرهم كما يسكت الجائع بخبز يابس لهم لغة خاصة معجم من الكلمات المصقولة التي تخفي أكثر مما تفصح يلفون الحقيقة كما يلف السارق ما سرق حتى لا يظهر الدافع ولا الأثر ثم يروون قصتهم عن أنفسهم بهدوء يربكك فتلمح في ثنايا حديثهم بقاياك المتناثرة كخردة حرب صغيرة ينامون مطمئنين كأن الليل محكمة تصدق كل رواية تقال بصوت ناعم لكن هناك ما لا يشترى ولا يغطى رائحة الحقيقة عين تذكر وذاكرة تحفظ الألم كأثر لا يمحى فالأيام تعلمنا درسها القاسي يمكنك أن تخدع العالم لحظة لكن الأبد لا يخدع إلى الأبد.
يظن الظالم أن الكذبة إن طالت صارت حقيقة ويخطئ فالحقيقة لا تحتاج إلى إعلان إنها تتوهج في العيون الصادقة وفي التفاصيل التي لا تخضع للسيناريوهات وفي الصمت الذي يزن أكثر من ألف بيان مزيف ثم تأتي اللحظة التي تسقط فيها الأقنعة لا بضجيج ولا بانفجار درامي بل بسقوط بسيط يحدث حين تلتقي حقيقة صغيرة بذاكرة لم تمت أو حين تمر نكتة قديمة ولم تعد تضحك أحدا عندها لا تحتاج أن تصرخ يكفي أن تنظر فالنظر في وقته شهادة أبلغ من أي محكمة منحازة.
الغضب الذي يبقى فيك بعد ذلك ليس غضب انتقام بل غضب نقي يشبه ماء يغسل لا ليحرق بل ليكشف تغضب لأنك أرهقت من شرح الفشل الإنساني لمن لا يريد أن يفهم لأن دفء قلبك استهلك كوقود لآلة لا تشبع لأن العالم تواطأ على حبس الحقيقة في قفص الكلام الجميل.
لكن الدفء يبقى لك دفء تهبه لنفسك بعد طول استباحة دفء لا تشتريه الأعذار ولا تزيفه المجاملة انتباهك لأنفاسك وحرصك على نقائك هو الرد الأصدق قد يربح الظالم موقعا أو سمعة أو تصفيقا عابرا لكن لا أحد يمنحه نوما مطمئنا تحت نجوم لا تعرف وجع الآخرين انتقامك الحقيقي أن لا تتحول إلى صورته أن تقف بعد العثرة وتقول ما رأيته دون تزوير أن تستعيد قلبك لنفسك وتترك روايتهم تدور في فراغها وحين يهدأ الغبار وتعود الأشياء إلى حجمها الطبيعي ستدرك أنهم لم يسرقوا منك جوهرك لم يأخذوا قدرتك على الشعور ولا ذاكرتك التي تحفظك حيا وهذا دون ضجيج أشرس أنواع الانتقام.






