صدى الشعب – كتبت آلاء سلهب التميمي
لم يعد المشهد العالمي كما كان.
تلك الصورة القديمة التي رسمتها القوى الكبرى، وصدّرتها للعالم بوصفها “الحقيقة الوحيدة”، بدأت تتشقّق من الداخل.
ومع كل حدث، ومع كل مأساة تُبث على الهواء، تتهاوى جدران الدعاية التي صاغت لسنوات طويلة وعياً زائفاً، يبرّر القتل ويجمّل الاحتلال، ويُشيطن الضحية لأنها فقط تنتمي إلى أمةٍ عربيةٍ أو دينٍ اسمه الإسلام.
وفي السنوات الأخيرة، تصاعدت موجات التضليل الإعلامي بطريقة غير مسبوقة، خصوصاً تجاه العرب والمسلمين.
فحين يُقصف طفل في غزة، يُعاد صياغة الخبر ليبدو “حادثاً عرضياً”، وحين تُهاجم مستشفيات وبيوت، تتحول في الرواية الغربية إلى “مواقع عسكرية”.
لقد تحولت اللغة ذاتها إلى سلاحٍ يُستعمل لتبرير المأساة، حتى صار الكذب فناً، وتزييف الوعي سياسة.
لكنّ شيئاً ما تغيّر، جيلٌ جديد اصبح اكثر وعياً ففي الغرب، وفي الولايات المتحدة تحديداً، بدأ يرى ما وراء الشاشات.
فوز زهران ممداني في نيويورك لم يكن حدثاً انتخابياً عابراً، بل مؤشراً على صحوة ضمير تتجاوز الجغرافيا والدين.
أن ينتخب الأميركيون، في عاصمة الرأسمالية العالمية، مرشحاً مسلماً اشتراكياً ينتقد الاحتلال الإسرائيلي علناً، فذلك يعني أن الرواية المهيمنة لم تعد مطلقة، وأن الحقيقة – رغم الحصار – وجدت طريقها إلى الوعي.
إن هذا التحول لا يُقرأ بمعزل عن السياق العالمي الأوسع؛ فالعالم يعيش اليوم أزمة أخلاقية عميقة، حيث تتصارع المصالح مع المبادئ، وتُستعمل وسائل الإعلام لتبرير الغزو والهيمنة، لا لنقل الحقيقة.
ومع ذلك، فإن الشعوب – بفضل وعيها واتصالها المباشر بالمعلومة – بدأت تتجاوز الوسيط الموجّه وتبني وعيها بنفسها.
من المؤلم أن نرى كيف تُتهم الضحية بالإرهاب، ويُكافأ الجلاد بالدعم، ولكن الأمل ما زال قائماً.
الأمل في كل صوتٍ يرفض الصمت، في كل طالبٍ غربي يرفع لافتة “الحرية لفلسطين”، وفي كل صحفيٍ يختار قول الحقيقة رغم التهديد.
لقد آن للعالم أن يعيد تعريف إنسانيته، وأن يتوقف عن تصنيف الألم على أساس الهوية.
فالعدالة لا ديانة لها، والكرامة لا وطن لها، والضمير الإنساني – إن صدق – لا يُشترى بالدعاية.
وهكذا، بين زيف الرواية الرسمية وصدق الوجدان الشعبي، يولد فجرٌ جديد يعيدنا إلى المعنى الحقيقي للإنسان… حين يصبح قول الحق موقفاً لا شعاراً، ورفض الظلم فضيلة لا ترفاً.
ولقد أثبتت التجارب أن الوعي لا يُقصف، وأن الشعوب مهما حوصرت بالصور المزيّفة قادرة على تمييز الصدق من الزيف.
اليوم، يقف العالم على مفترق طريقين: طريق يُعيد إنتاج الكراهية باسم “الحضارة”، وآخر يختار الإنسان مهما كان لونه أو دينه.
ولأنّ الضمير الحيّ لا يموت، ستبقى الكلمة الصادقة أقوى من الرصاصة، وسيبقى العدل – ولو تأخر – هو الغاية التي لا يسقط منها الأمل.
ففي زمنٍ يحاول فيه الإعلام طمس الحقائق، يبقى قول الحق عملاً مقاوماً، والسكوت خيانةً للإنسانية نفسها.






