صدى الشعب – كتبت رولا حبش
إنه شهر التوعية بمرض السكري، المرض الصامت الذي يسكن أجساد الملايين ويغيّر مسار حياتهم دون ضجيج، لكنه في الوقت ذاته يفتح بابًا واسعًا نحو الوعي والمسؤولية. في هذا الشهر تتوحد الجهود حول العالم تحت شعار الدائرة الزرقاء، رمز الاتحاد والأمل، رمز الأرض التي تحتضننا جميعًا، وسماءٍ واحدة تذكرنا أن الوقاية والعلاج مسؤولية إنسانية لا تُفرّق بين أحد.
الكثير من الناس لا يعلمون أنهم مصابون بالسكري إلا بعد أن تظهر المضاعفات، رغم أن الأمر يمكن اكتشافه بفحص بسيط لا يستغرق دقائق. لذلك يدعو هذا الشهر كل إنسان أن يمنح نفسه لحظة وعي، أن يذهب للفحص ولو مرة في السنة، خاصة إن كان لديه أحد من العائلة يعاني من المرض، أو إن كان يشعر بتعب متكرر، أو يلاحظ تغيرات في وزنه أو طاقته أو مزاجه. تلك اللحظة قد تنقذ حياة.
العلاج لا يبدأ من الدواء، بل من الفهم. فالتوازن في الغذاء والحركة والنوم، هو ما يجعل الإنسولين يعمل بانسجام داخل الجسم. الطب الحديث قدّم حلولًا مذهلة، لكن الجزء الأجمل من العلاج يبقى في يد المريض نفسه؛ في اختياره أن يعيش حياة واعية، لا يخضع للخوف بل يصادق جسده ويستمع إلى حاجاته.
أما الصحة النفسية فهي الخيط الخفي الذي يربط كل شيء ببعضه. فالضغوط المستمرة، التوتر المزمن، مشاعر القلق أو الوحدة، كلها تترك أثرًا حقيقيًا في الجسد، وتؤدي إلى اضطراب في إفراز هرمونات مثل الكورتيزول والأدرينالين، اللذين يرفعان مستوى السكر في الدم. كثيرون لا يعلمون أن العلاقة بين المشاعر والسكري ليست رمزية بل فسيولوجية؛ فحين يتعرض الإنسان لحالة خوف أو قلق طويلة، يتصرف الجسم كما لو أنه في خطر، فيفرز المزيد من السكر لتزويد العضلات بالطاقة، مما يرهق البنكرياس مع الوقت.
كما أن الإصابة بالسكري نفسها قد تكون سببًا في ضغوط نفسية جديدة، إذ يشعر بعض المرضى بالخوف أو الإحباط من التعايش مع مرض مزمن. لذلك أصبح من الضروري اليوم دمج العلاج النفسي والسلوكي ضمن برامج علاج السكري، لما له من دور في تحسين الالتزام بالعلاج، والوقاية من الاكتئاب، وإعادة التوازن الهرموني في الجسم.
وقد أظهرت أبحاث كثيرة أن المريض الذي يتلقى دعمًا نفسيًا، أو يمارس التأمل والاسترخاء والتنفس الواعي، يستطيع التحكم بمستوى السكر بدرجة أفضل من غيره. فالعقل الهادئ يساعد الجسد على الشفاء، والروح المتصالحة تخفف العبء عن الخلايا. الصحة النفسية ليست رفاهية، بل جزء من العلاج، وبدونها يبقى الشفاء ناقصًا مهما كانت الأدوية متطورة.
في النهاية، هذا الشهر ليس مجرد حملة توعوية، بل تذكير بأن أجسادنا مرآة لعقولنا ومشاعرنا. أن الحب والهدوء جزء من العلاج مثل الحمية والدواء. أن الفحص المبكر ليس خوفًا من المرض، بل احترام للحياة.
فلنحمل الوعي في قلوبنا قبل أيدينا، ولنجعل من هذا الشهر بداية عهد جديد مع أجسادنا، نعاملها بالرحمة وننصت إليها كما ننصت لصوت من نحب …رولا حبش






