صدى الشعب – كتب: د.عايش النوايسة / خبيرٌ ومستشارٌ تربويٌّ
جاءت توجيهاتُ جلالةِ الملكِ اليومَ استكمالًا لتوجيهاتِه في مشروعِ التحديثِ الاقتصاديِّ الذي انطلقَ برؤيةٍ مستقبليةٍ شاملةٍ لجميعِ القطاعاتِ، ومِنْ بينِها قطاعُ التربيةِ والتعليمِ الذي بدأَ تنفيذَ مشروعاتٍ طموحةٍ لتطويرِ التعليمِ والانتقالِ به إلى مستوياتٍ تتوافقُ مع التطوراتِ العالميةِ وتلبي احتياجاتِ سوقِ العملِ.
وأكَّدَ جلالتُه أنَّ التعليمَ يشكّلُ ركنًا أساسيًّا في تحسينِ نوعيةِ حياةِ الأردنيينَ، وقال: “علينا أنْ ننهضَ بنظامِنا التعليميِّ ليكونَ أكثرَ مواكبةً لمتطلباتِ العصرِ”، في توجيهٍ ملكيٍّ واضحٍ لتطويرِ التعليمِ وِفقَ المستجداتِ التقنيةِ والرقميةِ، مِنْ خلالِ تطويرِ منظومتِه للوصولِ إلى مخرجاتٍ تتواءمُ مع متطلباتِ سوقِ العملِ.
لقدْ أصبحَ التحولُ في شكلِ التعليمِ ضرورةً ماسَّةً، إذْ لمْ يَعُدِ التعليمُ التقليديُّ قادرًا على مواجهةِ المتغيراتِ أوْ تقديمِ تعليمٍ نوعيٍّ ملائمٍ للعصرِ. ومِنْ هنا برزتِ الحاجةُ إلى التركيزِ على التعليمِ التطبيقيِّ وتوظيفِ الأنظمةِ الذكيةِ الرقميةِ في هذا المجالِ، بما يتماشى مع التطوراتِ الرقميةِ في التعلمِ والتعليمِ. ويتطلبُ ذلك تحولًا كبيرًا في الأنظمةِ والسياساتِ التي توجهُ العمليةَ التعليميةَ، والانتقالَ مِنَ الأساليبِ التقليديةِ إلى أنماطٍ حديثةٍ نشطةٍ تتمحورُ حولَ الطلبةِ باستخدامِ وسائلَ وأدواتٍ مستحدثةٍ.
ويأتي ذلك مِنْ خلالِ التوجهِ نحو توظيفِ التقنياتِ الحديثةِ في التعليمِ والمناهجِ، عبرَ رقمنةِ المحتوى التعليميِّ وإدخالِ منهجِ المهاراتِ الرقميةِ ضمنَ عمليةِ تعلُّمِ الطلبةِ، لتمكينِهمْ مِنَ امتلاكِ المهاراتِ الأساسيةِ للتعاملِ مع أدواتِ ومتطلباتِ العصرِ. ولا شكَّ أنَّ مواكبةَ متطلباتِ العصرِ وِفقَ التوجهِ الملكيِّ تعكسُ عمقَ الرؤيةِ في استخدامِ الأنظمةِ الذكيةِ الرقميةِ في التعليمِ، لِمَا لها مِنْ انعكاساتٍ إيجابيةٍ كبيرةٍ، إذْ توفرُ هذهِ الأنظمةُ تعليمًا يراعي الاحتياجاتِ الفرديةَ للطلبةِ ويعملُ على معالجتِها، بالاستنادِ إلى الذكاءِ الاصطناعيِّ لتحليلِ مستوى الطالبِ وتحديدِ نقاطِ قوتِه وضعفِه وتصميمِ تعليمٍ يتناسبُ مع قدراتِه واحتياجاتِه، مِمَّا يسهمُ في تقديمِ تعليمٍ نوعيٍّ وعصريٍّ ومتطورٍ.
إنَّ التعليمَ العصريَّ الذي دعا إليهِ جلالتُه يحتاجُ إلى بيئةٍ مناسبةٍ تشملُ بنيةً تكنولوجيةً متقدمةً، كتوفيرِ إنترنتٍ عالِي السرعةِ لضمانِ تشغيلِ الأنظمةِ الذكيةِ بسلاسةٍ، وتزويدِ المدارسِ بالأجهزةِ اللازمةِ مثلِ الحواسيبِ اللوحيةِ والسبوراتِ الذكيةِ وأجهزةِ الواقعِ الافتراضيِّ لتحسينِ تجربةِ التعلمِ. كما يتطلبُ الأمرُ توظيفَ منصاتٍ تعليميةٍ مدعومةٍ بالذكاءِ الاصطناعيِّ، وتدريبَ المعلمينَ على استخدامِ هذهِ الأنظمةِ وتطبيقِ أدواتِ التعليمِ التفاعليِّ وتحليلِ البياناتِ.
ولا شكَّ أنَّ ذلكَ سينعكسُ إيجابًا على تطويرِ التعليمِ وتحسينِ جودتِه عبرَ توظيفٍ فعّالٍ للأنظمةِ الرقميةِ. ومِنْ هنا، لا بُدَّ مِنَ التركيزِ على تعليمٍ يجمعُ بينَ الجانبينِ النظريِّ والعمليِّ مِنْ خلالِ شراكاتٍ فاعلةٍ مع القطاعِ الخاصِّ، وإثراءِ معارفِ ومهاراتِ الطلبةِ في المجالاتِ المختلفةِ، مع التركيزِ على التطبيقِ العمليِّ في نطاقِ التخصصِ داخلَ مشاغلَ مهنيةٍ مجهزةٍ ومرتبطةٍ بالمؤسساتِ في القطاعينِ العامِّ والخاصِّ.
إنَّ هذا النهجَ يعززُ عملياتِ اكتسابِ المهاراتِ المهنيةِ وممارستِها في بيئتِها الطبيعيةِ، بما ينعكسُ على جودةِ مخرجاتِ التعليمِ، ويسهمُ في إيجادِ فُرَصِ عملٍ جديدةٍ للشبابِ، ويشجعُ القطاعَ الخاصَّ على الاستثمارِ في الطاقاتِ الأردنيةِ الشابةِ المؤهلةِ في المجالاتِ الصناعيةِ والإنتاجيةِ والتقنيةِ.
وبذلكَ يتحققُ التوجيهُ الملكيُّ السامي بجعلِ التعليمِ مواكبًا للتطوراتِ ومتوافقًا مع متطلباتِ سوقِ العملِ، بما يسهمُ في إيجادِ فُرَصِ عملٍ جديدةٍ وتحقيقِ الرفاهِ الاقتصاديِّ والاجتماعيِّ المنشودِ.
