صدى الشعب – ليندا المواجدة
بعد قرار حلّ مجالس المحافظات والانتقال إلى إدارة شؤون المحافظات من خلال لجان مؤقتة، تبرز الحاجة إلى مراجعة تجربة اللامركزية وتقييم ما تحقق على أرض الواقع، وسط آراء متباينة بين من يرى فيها مشروعًا وطنيًا رائدًا يحتاج إلى تطوير، ومن يعتقد أن المرحلة الحالية فرصة لتصويب المسار وتثبيت المفهوم الحقيقي للإدارة المحلية.
الدكتور أحمد العليمات – رئيس مجلس محافظة الزرقاء سابقًا: اللامركزية مشروع وطني إيجابي يحتاج إلى تطوير لا إلغاء
أرى أن مشروع مجلس المحافظات واللامركزية بشكل عام من أفضل المشاريع التي قدمتها الدولة الأردنية، وجاء هذا المشروع من خلال رؤى ملكية ثاقبة من خلال توزيع التنمية على كامل مناطق المحافظات بعدالة وشفافية، وتلبية احتياجات كثيرة من المناطق ضمن المحافظة الواحدة.
يكون دور مجلس المحافظة بالتعاون مع المجلس التنفيذي بتحديد الأولويات ضمن السقوف المخصصة في الموازنات، وبالتالي توزيع هذه المشاريع بعدالة على كافة المناطق، وقبل العدالة أن تُعطى الأولوية للمشاريع التي يمكن أن تعمل على إحداث تنمية في المحافظة.
هذا المشروع إيجابي، وإن كانت هناك ملاحظات في بعض الجوانب، فأنا أعتقد أن الجانب الرئيس هو العدد الكبير من الأعضاء.
لذلك أرى أن إعادة تقييم التجربة لا تكون محاولة لإلغائها، بل أن تُوجّه بالطريقة الأفضل والأنسب وبالدرجة الأولى.
موضوع الصلاحيات الممنوحة للمجالس وعدد الأعضاء يمكن أن يكون مرهقًا في اتخاذ القرارات، وأنا أعتقد أن السير في هذه التجربة وتعزيزها ومنحها صلاحيات أكثر هو الطريق الصحيح، لأن هذه المجالس جاءت لخدمة المواطن بالدرجة الأولى والتخفيف عليه، وأن نتخلص من الواسطة لأنها كانت تجعل المشاريع تُوزع حسب النفوذ وليس حسب الحاجة.
أعتقد أن مجالس المحافظات كان لها دور في تحقيق العدالة وأن تكون هذه المشاريع حقيقية وتُحدث تنمية مستدامة، وأنا مع بقاء هذه التجربة، وأن يتم إعادة النظر ببعض بنود القانون ومنحها صلاحيات أكثر ورفع يد الوزير عنها لتكون هذه المجالس صاحبة استقلال مالي وإداري.
اللامركزية مشروع إيجابي ورؤية ملكية ومحط تقدير.
المحامي أنس جودة: اللجان المؤقتة خطوة انتقالية لتصويب المسار
تجربة مجالس المحافظات في الأردن تُعتبر تجربة غنية ومليئة بالدروس المستفادة. بعد مرور عدة سنوات على تطبيق قانون الإدارة المحلية لعام 2021، يمكن القول إن هناك العديد من النقاط الإيجابية التي تحققت، مثل تعزيز المشاركة المجتمعية وتحسين مستوى الخدمات في بعض المناطق، وإقرار العديد من المشاريع التنموية في المحافظات.
ومع ذلك، هناك أيضًا تحديات وعقبات واجهت هذه التجربة رغم مرور ثمانية أعوام على ولادة مجالس اللامركزية الإدارية في المحافظات. ومن أحد الأسباب التي أدت إلى ضعف هذه التجربة هو وجود مجلس منتخب من خلال المشاركة الشعبية في عملية الانتخاب، ووجود أيضًا مجلس تنفيذي مكوّن من عطوفة المحافظ والمديرين التنفيذيين في المدينة.
هذا الأمر أدى إلى تنافس أعضاء مجلس المحافظة على محاولة إقرار المشاريع التي تخدم منطقتهم الانتخابية، والسعي لتقديم الخدمات على المستوى المناطقي وليس على المصلحة العامة وفقًا لدليل الاحتياجات في المحافظة.
ومن ناحية أخرى، كان هناك بعض الأخطاء الشخصية لبعض المديرين التنفيذيين في بعض المحافظات من خلال تعطيل المشاريع والبطء في إنجازها.
وأرى أن هذه الإشكاليات بدأت بالتعافي مع حل مجالس المحافظات وتعيين لجان تدير هذه المجالس في المرحلة الانتقالية لتحديث قانون الإدارة المحلية، وهذه الخطوة تهدف إلى تمكين المجالس المحلية من أداء دورها بفعالية.
دور اللجان المعينة في المجالس المحلية لعب دورًا هامًا في تعزيز وتحسين اتخاذ القرارات وتسريعها، حيث ساهمت هذه اللجان في دراسة وإقرار أولوية الاحتياجات المحلية وتقديم التوصيات والمقترحات التي تخدم مصالح المواطنين.
بشكل عام، يمكن القول إن تجربة اللامركزية في الأردن تُعد تجربة قيمة ومهمة، ويمكن البناء عليها لتحقيق المزيد من الإنجازات والتحسينات في المستقبل، من خلال الاستفادة من الدروس السابقة وتحسين آليات العمل وتعزيز التعاون بين مختلف الأطراف المعنية.
المهندسة سماء السكر – عضو مجلس محافظة سابق عن العاصمة: اللجان فقدت البعد التمثيلي والمجالس المنتخبة كانت نبض الناس
الفروقات لم تكن فقط في نوعية الملفات، بل أيضاً في نمط إدارة القرار المحلي ومدى نضوج هذه التجربة المؤسسية داخل المحافظات.
وإذا أردنا أن نتحدث عن هذا التباين وعن تشكيل اللجان المؤقتة، فإن الواقع يؤكد أن تجربة اللجان المعينة، رغم نوايا التنظيم، أثبتت محدوديتها، لأنها فقدت البعد التمثيلي الحقيقي والشرعية الشعبية التي تمتاز بها المجالس المنتخبة بقوتها وتأثيرها.
فالمجالس السابقة، رغم كل الملاحظات، كانت تعبّر عن نبض الناس، وتتحرك ضمن أولويات الشارع والمواطنين.
بينما بقيت اللجان أقرب إلى الطابع الرمزي والإداري، ولا تلامس عمق القضايا التنموية اليومية للمواطن.
في عمّان مثلاً، غابت روح المبادرة والمشاركة المجتمعية التي كانت تخلق حراكاً إيجابياً في صنع القرار المحلي، وأصبح المشهد أقرب إلى الروتين والبيروقراطية.
أما في الزرقاء، فبقيت الحيوية الشعبية حاضرة رغم غياب التمثيل المجتمعي، فالمجتمع الزرقاوي بطبيعته حيّ ونابض ومبادر، ويرفض أن يكون مجرد متفرج على قرارات لا تعبّر عنه.
تجارياً، كان لحلّ المجالس أثر واضح، إذ تراجع التواصل بين القطاع الخاص والمجالس، وتوقفت العديد من المبادرات في مجالات التطوير والتنفيذ، ما أدى إلى تراجع ثقة المستثمرين والقطاع الخاص، وحتى المواطنين، خاصة عندما شعروا أن القرار المحلي أصبح أكثر قرباً من المركزية وأبعد عن الميدان.
الانتخابات الأخيرة لعام 2022 أعادت الأمل بمستقبل اللامركزية، وأعادت تمثيل الشعب الحقيقي إلى الواجهة. نجاح العملية الانتخابية لم يكن فقط في صناديق الاقتراع، بل في الرسالة التي أوصلها الناس بأن المشاركة ليست مجرد واجب، بل حق ومسؤولية.
وقد لمسنا ذلك من خلال وعي الشباب والنساء ومشاركتهم كمرشحين، وحتى بعد فوزهم، ظهر حرصهم على التغيير، ما يعكس مؤشراً إيجابياً على نضج المجتمع واستعادته لإدارة الشأن المحلي بجدية وكفاءة، وإفرازات شعبية مميزة نابعة من إيمانهم بدورهم الحقيقي والواضح.
من واقع خبرتي في العمل المحلي، ومتابعتي لمسيرة اللامركزية منذ بدايتها، أرى أن الإصلاح الحقيقي يبدأ من احترام إرادة الناس وتمكين المجالس المنتخبة بصلاحيات واضحة، وباستقلال مالي وإداري.
فاللامركزية لا تُبنى باللجان المؤقتة ولا بالقرارات الفوقية، بل بتعزيز المشاركة والمساءلة وتمكين الشباب ليكونوا شركاء حقيقيين في صنع القرار، لا مجرد جمهور يتابع من بعيد دون تأثير.
إذا استمر النهج القائم على التعيينات الرمزية دون تمكين حقيقي للمجتمع، فستبقى هناك حلقة مفرغة.
أما إذا تم الاستثمار في تمثيل شعبي ومشاركة حقيقية للناس، فسنرى المحافظات قادرة على قيادة التنمية وصنع القرار بوعي واستقلالية.
هذا هو جوهر الإصلاح الإداري الذي ننشده ونطمح إليه، فكلما استثمرنا في المشاركة الشعبية، سنشهد نقلات نوعية تجعل من المحافظات مراكز حقيقية للنمو والابتكار، لا مجرد وحدات تنفيذية داخل المجتمعات المحلية.
وعندها فقط، ستكون أقرب إلى المواطن في حقيقته ونبضه، كشارع محلي ومجتمع حيّ.
نحو تطوير تجربة اللامركزية في الأردن
تجمع آراء الضيوف الثلاثة على أن تجربة مجالس المحافظات، رغم التحديات والملاحظات، تمثل خطوة مهمة في تعزيز اللامركزية والإدارة المحلية، وتتيح للمواطنين المشاركة الفعلية في صنع القرار.
الدكتور أحمد العليمات يرى في المشروع رؤية ملكية ثاقبة تهدف إلى توزيع التنمية بعدالة، بينما يشير المحامي أنس جودة إلى أهمية الاستفادة من الدروس المستفادة لتحسين آليات العمل وتعزيز دور اللجان المؤقتة في المرحلة الانتقالية.
من جانبها، تؤكد المهندسة سماء السكر أن تمكين المجالس المنتخبة بصلاحيات واضحة واستقلال مالي وإداري هو الطريق الأمثل لترسيخ المشاركة الشعبية وتحقيق التنمية المستدامة في المحافظات.
ويظهر من هذه القراءة أن تطوير تجربة اللامركزية يحتاج إلى إعادة النظر ببعض بنود القانون، منح صلاحيات أكبر للمجالس، وضمان تمثيل شعبي حقيقي، بما يعزز ثقة المواطنين في مؤسساتهم المحلية ويحول المحافظات إلى محركات فعلية للنمو والابتكار، بدلًا من أن تقتصر على دور إداري روتيني






