صدى الشعب – كتب المحامي محمد عيد الزعبي
تُعَدّ مسألة سلاح حماس من أعقد الملفات في النزاع الفلسطيني–الإسرائيلي، لأنها تتجاوز الجانب العسكري لتصل إلى جوهر العلاقة بين القانون الدولي والسيادة والاحتلال وحق الشعوب في المقاومة.
فهذا السلاح، الذي تطوّر من بنادق محلية إلى قدرات تصنيع صاروخي شبه ذاتي، أصبح رمزًا سياسيًا يُختزل فيه صراع الإرادات بين أطراف إقليمية ودولية متناقضة المصالح والروايات.
أولًا: الموقف الأمريكي – بين “مكافحة الإرهاب” وإدامة النفوذ
تعتمد واشنطن مقاربة أمنية بحتة تجاه سلاح حماس.
فهي تصنّف الحركة كمنظمة إرهابية بموجب قانون الطوارئ الأمريكي لعام 1995، وتعتبر أي تمويل أو تسليح لها تهديدًا مباشرًا لحلفائها في الشرق الأوسط.
لكن هذه المقاربة تُظهر انحيازًا جوهريًا؛ إذ تتجاهل واشنطن أحكام المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة، التي تقرّ بحق الشعوب في الدفاع عن النفس ضد العدوان والاحتلال.
وبذلك تُعيد أمريكا تعريف “الإرهاب” بما يخدم مصالحها الاستراتيجية، لا بما ينسجم مع المفهوم القانوني الدولي.
ثانيًا: الموقف الأوروبي – ازدواجية القانون والسياسة
يتعامل الاتحاد الأوروبي مع سلاح حماس من منطلقٍ إنساني–قانوني ظاهري، لكنه يخضع لاعتبارات سياسية واقتصادية عميقة.
فهو من جهةٍ يصنّف حماس كتنظيم إرهابي منذ عام 2003، ومن جهةٍ أخرى يموّل مشاريع إنسانية في غزة ويطالب بحماية المدنيين بموجب اتفاقيات جنيف الرابعة لعام 1949.
هذه الازدواجية تُفقد الموقف الأوروبي اتساقه، وتجعل الاتحاد شريكًا في المعادلة أكثر من كونه وسيطًا محايدًا.
بمعنى آخر، يدين العنف عندما يصدر من المقاومة، لكنه يبرره عندما يأتي من دولة الاحتلال.
ثالثًا: الموقف الإسرائيلي – “التهديد الوجودي” كسياسة دائمة
تعتبر إسرائيل سلاح حماس تهديدًا وجوديًا يبرر استمرار الحصار والحروب الدورية على غزة.
لكن من الناحية القانونية، فإن استمرار الاحتلال يُبقي للمقاومة الحق في حمل السلاح وفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 37/43 لعام 1982 الذي يعترف بحق الشعوب الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية في النضال بجميع الوسائل، بما فيها الكفاح المسلح.
إسرائيل، التي تمتلك ترسانة نووية غير معلنة، لا يمكنها قانونًا المطالبة باحتكار “حق الأمن” بينما تُنكر على خصمها حق الدفاع.
بالتالي، خطاب “التهديد الوجودي” هو ذريعة سياسية لإدامة الاحتلال وليس مبررًا قانونيًا مقبولًا.
رابعًا: موقف السلطة الفلسطينية – أزمة الشرعية والسلاح
السلطة الفلسطينية ترى في سلاح حماس انتقاصًا من مفهوم “الشرعية الواحدة”، وترى أن أي مشروع دولة يجب أن يكون تحت سيطرة جهاز أمني موحد.
لكن واقع الانقسام السياسي منذ عام 2007 جعل من هذا الموقف أقرب إلى التنظير منه إلى التطبيق.
فالسلطة نفسها لا تملك سيادة كاملة، ولا تمتلك جيشًا أو حدودًا أو حرية حركة قواتها في الضفة، مما يجعل مطالبتها لنزع سلاح غزة تبدو مفارقة قانونية قبل أن تكون سياسية.
فالسيادة المجزأة لا تُنتج احتكارًا شرعيًا للقوة، بل تُكرّس واقع الاحتلال والتبعية.
خامسًا: موقف حماس – السلاح كضمانة وجود
من منظور حماس، السلاح ليس خيارًا بل نتيجة.
نتيجة حصارٍ طويل، واحتلالٍ مستمر، وفشلٍ في تحقيق العدالة الدولية.
تستند الحركة في شرعية سلاحها إلى مبدأ حق الشعوب في تقرير المصير الوارد في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 1)، وترى أن المقاومة المسلحة جزء من هذا الحق ما دام الاحتلال قائمًا.
وعليه، ترفض فكرة نزع سلاحها دون ضمانات سياسية وأمنية واضحة، معتبرة أن “من يسلّم سلاحه قبل رفع الحصار، يسلّم نفسه”.
تحليل قانوني: بين المقاومة والإرهاب
تُعرِّف الأمم المتحدة الإرهاب بأنه “أعمال العنف التي تستهدف مدنيين لأغراض سياسية”، بينما تُعرِّف المقاومة المشروعة بأنها “النضال ضد الاحتلال الأجنبي”.
الخلط المتعمد بين المفهومين هو ما سمح بتجريم حركات التحرر تحت ضغط سياسي.
وفي الحالة الفلسطينية، يُعتبر نزع السلاح دون إنهاء الاحتلال مخالفةً لمبدأ التناسب والضرورة في القانون الدولي الإنساني، لأن القوة المسلحة لا يمكن أن تُمنع إلا إذا زالت أسبابها.
خاتمة:
إن سلاح حماس ليس أزمةً منفصلة عن السياق القانوني والسياسي للصراع، بل هو نتيجة مباشرة لغياب العدالة الدولية وتناقض مواقف القوى الكبرى.
المطالبة بنزع سلاح المقاومة قبل إنهاء الاحتلال تُعَدّ خطوة معكوسة منطقيًا وقانونيًا، تُفرغ مبدأ الدفاع المشروع من محتواه، وتحوّل الضحية إلى متهم دائم.
الحل لا يكمن في مصادرة السلاح، بل في مصادرة الأسباب التي أوجدته.






