عايش: فجوة بين النظرية والتطبيق وراء تدني الأداء في المدارس
تايه: التخطيط العشوائي يُقصي ذوي الاحتياجات من حقهم بالتعلم
صدى الشعب – سليمان أبو خرمة
في ضوء تقرير وزارة التربية والتعليم لتحليل أداء المدارس للعام الدراسي 2024/2025، الذي أظهر أن نحو 82 بالمئة من المدارس جاءت ضمن مستويي أداء “ضعيف” و”متدنٍ” في مؤشر توظيف كفايات ومهارات التعامل مع الطلبة ذوي الإعاقة، أكد تربويون أن مؤشرات الأداء الضعيف في عدد من المدارس الأردنية تكشف عن فجوة حقيقية بين النظرية والتطبيق في مؤشرات المدرسة الفاعلة، وضعف القناعة بأهمية التقييم الذاتي والبرامج التطويرية، إلى جانب قصور في تأهيل المعلمين وتحديات في تطبيق التعليم الدامج للطلبة ذوي الإعاقة.
الخطط التطويرية شكلية وتفتقر إلى الجدية
بهذا الإطار، أكد الخبير التربوي عايش النوايسة أن ارتفاع نسب الأداء الضعيف في عدد من المدارس الأردنية يعود إلى فجوة واضحة بين النظرية والتطبيق في مؤشرات المدرسة الفاعلة، وضعف القناعة بأهمية إجراء عمليات التقييم والمراجعة الذاتية لمستويات الأداء وفق مؤشرات الجودة المعتمدة من وزارة التربية والتعليم.
وقال النوايسة، خلال حديثه لـ”صدى الشعب”، إن التعامل مع عملية إعداد الخطط التطويرية والإجرائية في كثير من المدارس ما يزال شكليًا، دون جدية كافية أو التزام علمي ومنهجي في تقييم ذاتي حقيقي لمهام المدرسة.
وأشار إلى وجود مقاومة داخل بعض المؤسسات التعليمية تجاه التغيير، وغياب القناعة بأهمية العمل بأسلوب علمي قائم على التقييم والمساءلة، الأمر الذي ينعكس سلبًا على اختيار الأولويات في الخطط التطويرية، وبالتالي على نواتج التعليم.
وبيّن أن هذه الفجوة تعكس جانبين رئيسيين؛ أولهما ضعف لدى بعض القيادات التعليمية في إدراك أهمية التطوير، وثانيهما وجود تفاوت بين المدارس من حيث مستوى الأداء، حيث تظهر مدارس الإناث بصورة أفضل مقارنة بمدارس الذكور في تطبيق مؤشرات الفاعلية المدرسية.
وأضاف أن التحدي القائم لا يرتبط بعوامل مؤقتة، بل يعكس خللًا أعمق في بنية النظام التعليمي وآليات المساءلة، مؤكداً أن تفعيل أدوات المتابعة والتقييم بشكل مستمر يضمن تحسين الأداء المدرسي، مبينًا أن العمل في ظل المساءلة والمتابعة الدائمة يؤدي بطبيعته إلى رفع مستوى الانضباط والجودة في المدارس.
ضعف تأهيل المعلمين فجوة خطيرة في التدريب
وفي ما يتعلق بتأهيل الكوادر التعليمية، أشار إلى أن ضعف إعداد المعلمين يسهم بوضوح في تدني مؤشرات الأداء، موضحًا أن برامج التدريب السابقة كانت تقتصر على تدريب مدير المدرسة الذي ينقل المعرفة لاحقًا للمعلمين، مما خلق فجوة كبيرة في عمليات التدريب.
وقال إن الوزارة أدركت هذا النقص مؤخرًا، وأجرت تعديلات جوهرية على مؤشرات المدرسة الفاعلة، بحيث تم تدريب منسقي المجالات الأربعة إلى جانب مديري المدارس بوصفهم القادة التعليميين، مشيرًا إلى أن هذا التوجه الجديد سيسهم في رفع مستوى المعرفة والخبرة لدى الفرق المدرسية في تنفيذ عمليات المراجعة الذاتية وبناء الخطط التطويرية والإجرائية، ما سينعكس إيجابًا على أداء المعلمين وبيئة التعلم بشكل عام.
وحول برامج التدريب المعتمدة، أوضح أن الوزارة انتقلت من الأساليب التقليدية إلى نموذج حديث يربط بين التدريب النظري والتطبيق العملي، من خلال المنصات الإلكترونية وربطها بترقيات رتب المعلمين، مؤكداً أن هذا التطور منح المعلمين حافزًا حقيقيًا للمشاركة في التدريب وتطبيق ما تعلموه في الميدان التربوي.
وحول المركزية الإدارية، نفى أن تكون الوزارة تميل إلى المركزية، مشيرًا إلى أن وزارة التربية والتعليم عززت في السنوات الأخيرة تفويض الصلاحيات لمديري التربية والمدارس، وعيّنت مستشارين للتطوير المدرسي في كل مديرية.
وأضاف أن المدارس اليوم مقسّمة إلى تجمعات جغرافية يشرف على كل منها مستشار تطوير مدرسي يتابع أداء المدارس مباشرة، ما ألغى إلى حد كبير المركزية السابقة التي كانت تحدّ من قدرة المدارس على التطوير الذاتي.
إهمال الفروق الفردية يضر بجودة التعليم
وحول بضعف الدمج التربوي للطلبة ذوي الإعاقة، أوضح النوايسة أن هناك فجوة واضحة في مؤشرات المدرسة الفاعلة، خصوصًا في جانب توظيف كفايات ومهارات التعامل مع الطلبة ذوي الاحتياجات الخاصة.
وأرجع ذلك إلى غياب عمليات التخطيط التعليمي المستندة إلى تحليل مستويات الطلبة وتصنيفهم بناءً على دراسات تشخيصية وتقييمية منذ بداية العام الدراسي.
وأكد ضرورة التشخيص والتقييم المبكر لتحديد احتياجات الطلبة ذوي الإعاقات والموهوبين بدقة، مشيرًا إلى أن كثيرًا من المدارس تركز جهودها على الطلبة متوسطي الأداء، ما يؤدي إلى إهمال الطلبة ذوي الأداء المتدني أو المتميز، وهو ما يعكس ضعفًا في مراعاة الفروق الفردية.
وشدد على أهمية تدريب المعلمين على أسس التعليم الدامج، ليشمل التعامل مع مختلف أنواع الإعاقات وصعوبات التعلم، والتركيز على الكفايات العملية في تصميم الأنشطة التعليمية، وتبني استراتيجيات تدريس متنوعة تراعي الفروق الفردية وأنماط التعلم المختلفة. وأضاف أن تعديل أدوات التقييم بما يتناسب مع احتياجات الطلبة يعزز بيئة تعليمية دامجة تحقق العدالة وتكافؤ الفرص التعليمية.
وأشار إلى أن تبني المدارس برامج تعليمية وأنشطة مخصصة للطلبة ذوي الإعاقة والموهوبين ينعكس إيجابًا على جودة التعليم بشكل عام، من حيث رفع كفاءة المعلمين وتحسين المناخ المدرسي وتعزيز التفاعل الإيجابي بين الطلبة، مؤكدًا أن التعليم الدامج يركّز على الفهم والتطبيق بدلاً من الحفظ، ويرفع سمعة المدرسة كمؤسسة تربوية وإنسانية متميزة.
واعتبر أن أولى خطوات الإصلاح التي ينبغي على وزارة التربية والتعليم البدء بها تتمثل في استكمال عمليات هيكلة الوزارة، بما يعزز اللامركزية ويمنح الميدان التربوي صلاحيات أوسع في التطوير واتخاذ القرار.
وأوضح أن إعادة الهيكلة الإدارية تمنح الوزارة دورًا أكبر في رسم السياسات والإشراف على تنفيذها، وتتيح دمج المديريات والأقسام لتوحيد الجهود وتبسيط الإجراءات، إلى جانب تطوير الدور الإشرافي ليصبح أكثر تخصصًا وفعالية.
وبيّن أن الإشراف التربوي المتخصص أصبح يشمل مجالات متعددة كالتطوير المدرسي والقياس والتقييم ومؤشرات الأداء والمناهج، مؤكدًا أن تفعيل هذه الأدوار الميدانية بشكل منهجي ومسؤول سيسهم في تحقيق نقلة نوعية في التعليم الأردني، ويعزز المساءلة والنتائج الإيجابية على مستوى المدارس والمعلمين والطلبة.
نسبة صادمة تكشف واقعاً مقلقاً في دمج الطلبة ذوي الاحتياجات الخاصة
من جهته قال الخبير التربوي فيصل تايه، إن نتائج الزيارات التقييمية للمدارس للعام الدراسي 2024/2025، التي أظهرت أن نحو (82) بالمئة من المدارس جاءت ضمن مستويي أداء ضعيف ومتدنٍّ في مؤشر توظيف كفايات ومهارات التعامل مع الطلبة ذوي الاحتياجات الخاصة، تمثل مؤشراً مقلقاً ينبغي التعامل معه بجدية ومسؤولية، كونه لا يعكس مجرد رقم إحصائي بل واقعاً يحتاج إلى وقفة متأنية وتحليل معمق.
وأضاف تايه، خلال حديثه لـ”صدى الشعب”، أن هذه النتيجة تكشف عن تحديات جوهرية تواجه المعلمين في الميدان التربوي، رغم الجهود الصادقة التي يبذلها كثير منهم في أداء رسالتهم التعليمية، مشيراً إلى أن ضعف الجاهزية المهنية وغياب التدريب التخصصي الكافي يحدّ من قدرة المعلمين على التعامل بفعالية مع التنوع الطلابي، سواء مع الطلبة ذوي الإعاقات الجسدية أو الحسية أو الذهنية أو العصبية، أو مع الطلبة بطيئي وصعوبات التعلم والموهوبين.
وأوضح أن هذه الفجوات في الكفايات المهنية تنعكس بشكل مباشر على عملية التخطيط الدراسي وأساليب التنفيذ والتقويم، وتؤثر على قدرة المدرسة في دمج جميع الطلبة بطريقة تراعي الفروق الفردية وتحفز التعلم الإيجابي، مؤكداً أن التعليم الدامج يمثل حجر الزاوية في تحقيق العدالة التعليمية، ويشكل معياراً رئيسياً لجودة المدرسة ككل، وليس مجرد تقييم لفئة محددة من الطلبة.
وأشار إلى أن النظر إلى هذه المؤشرات ينبغي أن يكون من زاوية تطويرية وإصلاحية، باعتبارها فرصة لتشخيص الأسباب وفهم الجذور، وتهيئة البيئة التعليمية المناسبة لتعزيز الكفاءة المهنية والإنسانية للمعلمين والقيادات المدرسية على حد سواء.
بناء كفايات المعلمين مفتاح الدمج الفعّال في الصفوف الدراسية
وبيّن أن معالجة هذا التحدي تتطلب العمل في عدة مسارات متكاملة، أولها بناء كفايات المعلمين المهنية في مجال التعليم الدامج، من خلال برامج تدريبية معتمدة تركز على استراتيجيات التعليم المتمايز، وفنون إدارة الصفوف المتنوعة، وأساليب التقييم التي تراعي الفروق الفردية، بما يمكّن المعلمين من التأثير الفعلي في التحصيل والسلوك والدافعية لدى جميع الطلبة.
وأضاف أن المسار الثاني يتمثل في تفعيل خطط الدعم الفردية (IEPs) للطلبة ذوي الاحتياجات الخاصة، لتصبح جزءاً أصيلاً من العملية التعليمية، مع تكييف المناهج وأدوات التقويم وفق قدرات كل فئة، وابتكار استراتيجيات تعليمية تشجع على المشاركة والإبداع، فيما يركّز المسار الثالث على تهيئة البيئة المدرسية لتكون شاملة وصديقة لجميع المتعلمين، بدءاً من المرافق المادية ووصولاً إلى الوسائل التعليمية المساندة وغرف المصادر، بما يضمن تمكين كل طالب من التعلم بكرامة واستقلالية، وتعزيز شعور الانتماء بين الطلبة.
كما دعا إلى تعزيز دور القيادة المدرسية في دعم سياسات الدمج، من خلال وضع خطط واضحة بأهداف قابلة للقياس، ومتابعة دورية من فرق الإشراف التربوي، وتحفيز المعلمين على الابتكار في تصميم وتنفيذ الأنشطة التعليمية المتنوعة، إلى جانب تطوير أدوات التقييم والمتابعة لرصد التقدم الحقيقي للطلبة ذوي الإعاقة، وتحويل نتائج المتابعة إلى تغذية راجعة تسهم في تحسين البرامج والخطط التعليمية، مع بناء مؤشرات أداء قابلة للقياس لكل فئة مستهدفة.
وأكد أهمية تفعيل الشراكة مع الأسرة والمجتمع المحلي باعتبار أن التعليم الدامج مسؤولية مشتركة، لافتاً إلى أن مشاركة أولياء الأمور والمؤسسات المجتمعية في وضع خطط الدعم ومتابعة تنفيذها يعزز فرص النجاح الأكاديمي والاجتماعي للطلبة، ويدعم الجهود المدرسية في تطبيق الدمج بشكل مستدام.
وقال إن تبنّي هذا المؤشر من زاوية تطويرية وإصلاحية يسهم في ترسيخ ثقافة الجودة في التعليم، مؤكداً أن المدرسة الفاعلة هي التي تفتح نوافذها على جميع أبنائها دون استثناء، وتضع تنمية الإنسان ومهاراته في صميم العملية التعليمية.
وشدّد على ضرورة تحويل هذا التحدي إلى فرصة حقيقية للعمل بروح الفريق الواحد، واستثمار قدرات المعلمين والقيادات المدرسية، وتهيئة بيئات تعليمية متكاملة، ليصبح تحسين هذا المؤشر مساراً استراتيجياً لتعزيز العدالة التعليمية وجودة التعليم الشامل في الأردن.






