صدى الشعب – راكان الخريشا
مع اقتراب انعقاد الدورة العادية الثانية لمجلس النواب الأردني، تتصاعد التوترات داخل أروقة البرلمان، في سباق يبدو الأكثر تنافساً على كرسي رئاسة المجلس منذ سنوات.
الانتخابات ليست مجرد منصب بروتوكولي، بل تمثل مفتاح التحكم في أجندة التشريع، وتحريك القضايا الوطنية، وإدارة التوازنات داخل المجلس، بما يعكس التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تواجه المملكة.
هذا العام، يتنافس على رئاسة المجلس ثلاثة أسماء بارزة: مصطفى الخصاونة، و مازن القاضي، و علي الخلايلة، في سباق يعكس الصراع بين التوافق والاستقلالية والقوة التحالفية، وسط توقعات بأن تكون هذه الانتخابات مؤشراً على توجهات الحياة السياسية الأردنية للسنوات القادمة.
المرشحون: خبرة واستراتيجيات مختلفة
مصطفى الخصاونة: خيار التوافق والاستقرار
النائب الأول لرئيس المجلس الحالي، يمتلك خبرة طويلة في إدارة جلسات المجلس والتعامل مع مختلف الأطراف السياسية. الخصاونة يُعرف بين زملائه بأنه صانع توافقات وموازن للتيارات المختلفة، وهو ما يعزز فرصه في قيادة المجلس بطريقة تضمن الاستقرار السياسي والتوازن بين القوى البرلمانية.
انسحاب بعض النواب المؤثرين، مثل مصطفى العماوي ومجحم الصقور، لصالحه، أضاف إلى قوته داخل المجلس، وجعل فرصه في الفوز بالجولة الأولى أكثر وضوحًا.
الخصاونة يُنظر إليه كمرشح قادر على جمع الأصوات من مختلف الكتل الصغيرة والمتوسطة، وضمان استقرار المجلس في فترة حساسة، خصوصًا مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الأردن.
ويتميز الخصاونة بقدرته على التفاوض وإدارة الأزمات داخل المجلس، حيث أثبت خلال السنوات الماضية أن لديه قدرة على إيجاد حلول توافقية للنزاعات بين الكتل، وهو ما يمنحه ميزة كبيرة في مواجهة المنافسين، خصوصًا في بيئة برلمانية تتسم بتنوع الآراء واختلاف الأولويات.
مازن القاضي: القوة التحالفية والخبرة الوزارية
القاضي يتمتع بخبرة سياسية واسعة، تشمل العمل الوزاري والعضوية النيابية المتعددة، ما أكسبه معرفة معمقة بآليات التشريع ومهارات إدارة السلطة التنفيذية والتشريعية. كونه عضوًا بارزاً في كتلة “الميثاق الوطني” يضعه في دائرة المنافسة المباشرة، خصوصاً أن الدعم المحتمل من تحالفات الوسط واليمين يمكن أن يعزز موقفه بشكل كبير.
التحدي الأكبر أمامه يكمن في توحيد الدعم الكامل من كتلته وضمان الالتزام الانتخابي، وهو ما قد يكون حاسماً في حال دخول الجولة المباشرة، القاضي يعتمد على خطة محكمة لكسب أصوات النواب المستقلين والكتل الصغيرة، من خلال تقديم برامج توافقية تلبي مصالحهم دون المساس بالتحالفات الرئيسية.
علي الخلايلة: الاستقلالية والجرأة
الخلايلة أعلن ترشحه دون انتظار قرار كتلته، وهو ما يعكس شخصية مستقلة وجريئة. على الرغم من محدودية دعمه في البداية، إلا أن وجوده في السباق قد يكون عنصرًا مفاجئًا يمكن أن يعيد ترتيب الموازين، خصوصاً إذا تمكن من كسب دعم النواب المستقلين أو الكتل الصغيرة، ما يمنحه فرصة لإحداث تغيير في النتائج النهائية.
الكتل والتحالفات: معادلة الفوز
انتخابات رئاسة مجلس النواب ليست مجرد تصويت فردي، بل هي معركة سياسية دقيقة تتحكم فيها الكتل والتحالفات بشكل أساسي:
كتلة الميثاق الوطني والعزم: تسعى لدعم القاضي لضمان تمثيل تحالفاتها في قيادة المجلس، ما يتيح لها التأثير على جدول الأعمال التشريعي وتمرير السياسات التي تدعم رؤيتها.
تيار التغيير والنواب المستقلين: يمثلون العمود الفقري لدعم الخصاونة، الذي يعتمد على بناء توافق واسع لضمان التفوق في الجولة الأولى من التصويت.
جبهة العمل الإسلامي: الكتلة الحاسمة، التي تضم نحو 31 نائباً، لم تُعلن موقفها بعد، قرارها النهائي قد يحدد هوية الرئيس القادم، سواء بدعم الخصاونة أو القاضي، أو إبقاء الأمور مفتوحة للانتخابات المباشرة.
استراتيجيات المرشحين والتحركات البرلمانية
المرشحون يعتمدون على تكتيكات دقيقة لزيادة فرصهم، تشمل:
- اللقاءات الفردية والجماعية مع النواب: كل لقاء محسوب ويهدف إلى كسب الدعم من الكتل الصغيرة والمتوسطة.
- العروض التوافقية: تقديم برامج مرنة تلبي مصالح مختلف النواب دون الإضرار بتحالفاتهم الأساسية.
- إدارة الانطباعات الإعلامية: كل كلمة أو تصريح للمرشحين يمكن أن تؤثر على تحركات الكتل ودعم النواب المستقلين.
- تقييم النفوذ الداخلي للكتل: المرشحون يدرسون بعناية مواقف كل كتلة ونفوذها داخل المجلس لتحديد أفضل استراتيجية كسب للأصوات.
السيناريوهات المحتملة
التوافق قبل الانتخابات
قد يُفضّل بعض المرشحين والكتل الاتفاق على مرشح واحد لتفادي التنافس الشديد، ما يعزز الاستقرار ويقصر فترة الانتخابات على جولة واحدة. هذا السيناريو يمثل أفضلية للخصاونة الذي يتمتع بقدرة على جمع الأصوات المتنوعة وتقديم نفسه كخيار توافقي.
الانتخابات المباشرة
في حال فشل التوافق، ستُجرى انتخابات حاسمة، غالبًا بين الخصاونة والقاضي، مع احتمال أن يكون الخلايلة عنصرًا مفاجئًا يعيد ترتيب الأصوات. الجولة المباشرة ستكون اختبارًا حقيقيًا لقدرة المرشحين على حشد التأييد من الكتل الصغيرة والمستقلة، وتحويل الدعم النسبي إلى أغلبية فعلية.
الدور الحاسم لجبهة العمل الإسلامي
دعم هذه الكتلة لأي مرشح سيُحدث فرقًا واضحًا، وقد يكون العامل الحاسم في تحديد الفائز، نظرًا لعدد نوابها وقدرتهم على التأثير في الجولات الانتخابية. جبهة العمل الإسلامي تمثل بيضة القبان التي يمكن أن تقلب موازين القوى إذا انحازت إلى أحد المرشحين.
أهمية رئاسة المجلس وتأثيرها على المشهد الوطني
رئاسة مجلس النواب ليست مجرد منصب شرفي، بل أداة فعالة لتوجيه التشريع وإدارة الحوار بين الحكومة والمجلس. اختيار الرئيس الجديد سيؤثر على:
جدول الأعمال التشريعي: مشاريع القوانين والموازنات ستكون تحت إشراف الرئيس الجديد، الذي يحدد أولويات المجلس.
مراقبة الأداء الحكومي: الرئيس القوي يمكنه تعزيز آليات المحاسبة والمساءلة.
التحالفات داخل المجلس: شخصية الرئيس تؤثر على توازن القوى بين الكتل، بما يشمل النواب المستقلين والكتل الصغيرة.
تحليل الكتل السياسية ودورها الحاسم في الانتخابات
كتلة الميثاق الوطني والعزم: القوة التحالفية الكبرى
كتلة الميثاق الوطني تعد من أكبر وأقوى الكتل داخل مجلس النواب الأردني. تضم نوابًا لهم تأثير واضح على صنع القرار داخل المجلس، خصوصًا في ما يتعلق بمشاريع القوانين والموازنات.
استراتيجية الكتلة: تعتمد على دعم مرشح يحافظ على مصالحها، مع ضمان التمثيل الفعّال في لجان المجلس.
التأثير المحتمل: إذا انحازت الميثاق للقاضي، فإن فرص القاضي في الفوز بالجولة الأولى ترتفع بشكل كبير، نظرًا لتعدد الأصوات التي تسيطر عليها الكتلة والتحالفات المرتبطة بها.
تحدياتها: وجود نواب مستقلين داخل الكتلة أو تباين المواقف بين أعضائها قد يؤدي إلى تأجيل القرار النهائي ودخول الانتخابات في جولة ثانية.
جبهة العمل الإسلامي: العنصر الفاصل
جبهة العمل الإسلامي تُعد الكتلة الحاسمة في أي انتخابات رئاسية للمجلس. يضم البرلمان نحو 31 نائبًا من الجبهة، مما يجعلها العنصر الأكثر تأثيرًا في النتائج النهائية.
استراتيجيتها: المرونة في التحالفات واختيار المرشح الذي يضمن مصالحها على المدى الطويل، بما في ذلك التمثيل في اللجان والمراقبة البرلمانية.
أهميتها في المعادلة: انحياز الجبهة لأي مرشح يمكن أن يكون الفارق بين الفوز بالجولة الأولى أو الدخول في جولة حاسمة.
التحديات: تحتاج الجبهة إلى موازنة بين مصالحها الداخلية والمصلحة العامة، ما يجعل قرارها حساسًا للغاية.
النواب المستقلون وتيار التغيير: العمود الفقري للخصاونة
النواب المستقلون يمثلون قوة غير رسمية لكنها حاسمة، خصوصًا لدعم مرشح التوافق مصطفى الخصاونة.
توجهاتهم: تميل إلى دعم المرشح الذي يضمن إدارة عادلة للجلسات، وعدم التفرد بالقرارات، وتوزيع الفرص بين النواب المستقلين والكتل الصغيرة.
أهميتها في الانتخابات: دعم النواب المستقلين يمكن أن يحسم الجولة الأولى لصالح الخصاونة، ويقلل فرص القاضي في الاعتماد على تحالفات الكتل الكبرى فقط.
الكتل الصغيرة والمتوسطة: أوراق اللعب المفاجئة
الكتل الصغيرة والمتوسطة داخل المجلس غالبًا ما تكون المفاجأة في أي انتخابات. عددهم يتراوح بين 20 إلى 40 نائبًا، وقد يقررون دعم أي مرشح بناءً على البرامج التوافقية والعروض السياسية.
أثرهم: يمكن أن يقلبوا موازين القوى في الجولة الثانية إذا فشل أي مرشح في الحصول على الأغلبية المطلقة في الجولة الأولى.
استراتيجيتهم: غالبًا ما يبحثون عن مرشح يقدم لهم تمثيلًا فعالًا في اللجان ومواقع النفوذ داخل المجلس.
سيناريوهات الجولات الانتخابية خطوة بخطوة
الجولة الأولى: التوافق أو المنافسة المباشرة
إذا تمكّن الخصاونة من جمع دعم النواب المستقلين والكتل الصغيرة والمتوسطة، يمكنه الفوز في الجولة الأولى بنسبة عالية من الأصوات.
القاضي يعتمد على تحالفاته الكبرى ودعم كتلة الميثاق الوطني، وقد يشكل قوة ضاغطة على الخصاونة إذا لم تتفق الكتل الصغيرة على التوافق معه.
الخلايلة قد يشكل عنصرًا مزعجًا في الجولة الأولى، إذ يمكنه تشتيت بعض الأصوات المستقلة، ما قد يؤدي إلى فشل أي مرشح في الحصول على الأغلبية المطلقة.
الجولة الثانية: الحسابات المعقدة
إذا دخل المرشحون في الجولة الثانية، تصبح الأصوات المستقلة والكتل الصغيرة هي الفاصل.
دعم جبهة العمل الإسلامي يصبح عنصر الحسم، إذ يمكنها توجيه النواب نحو مرشح معين، ما يضمن له الفوز.
الخصاونة سيحتاج إلى توسيع قاعدة دعمه من خلال التواصل المكثف مع النواب المستقلين والكتل الصغيرة، بينما القاضي يعتمد على استمرار الدعم من كتلته الكبرى وتحالفاته.
الجولة الحاسمة: القرار النهائي
في حال استمرار الشكوك، قد تؤدي الجولة الحاسمة إلى إعادة ترتيب التحالفات وإعادة تفاوض الكتل الكبرى مع المستقلين.
النتيجة النهائية ستحدد من سيقود المجلس في السنوات المقبلة، ومن سيكون قادرًا على إدارة جدول الأعمال التشريعي والسيطرة على القرارات الحاسمة.
تحليل تأثير كل مرشح على المشهد السياسي الأردني
مصطفى الخصاونة
مزاياه: القدرة على جمع الأصوات، التوافق مع مختلف الكتل، إدارة الأزمات.
تأثير فوزه: تعزيز الاستقرار السياسي داخل المجلس، ضمان تمرير التشريعات بسلاسة، تعزيز دور النواب المستقلين والكتل الصغيرة في اتخاذ القرار.
مازن القاضي
مزاياه: القوة التحالفية، دعم الكتل الكبرى، خبرة وزارية واسعة.
تأثير فوزه: تقوية النفوذ للكتل الكبرى، قدرة أكبر على فرض جدول أعمال قوي، تعزيز التحكم في التشريعات والموازنات، وإمكانية مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية بفعالية.
علي الخلايلة
مزاياه: الاستقلالية، الجرأة، تقديم خيار مختلف بعيدًا عن التحالفات التقليدية.
تأثير فوزه: إعادة ترتيب المشهد السياسي، تمكين النواب المستقلين، وتحريك البرلمان نحو خيار أكثر استقلالية ومرونة في القرارات التشريعية.
توقعات مستقبلية بعد الانتخابات
- توازن القوى داخل المجلس: الفائز سيحدد طبيعة التحالفات، وتوزيع اللجان، وموقع النواب المستقلين.
- أولويات التشريع والموازنات: سيؤثر الرئيس على جدول الأعمال التشريعي، المشاريع الحكومية، والقرارات الاقتصادية والاجتماعية.
- استقرار البرلمان أو تحديات التغيير: كل مرشح يقدم مستوى مختلف من الاستقرار أو التجديد، ما يؤثر على العلاقة بين الحكومة والمجلس.
خاتمة
مع دخول الأسبوع الأخير قبل الانتخابات، يبقى المجلس الأردني على موعد مع لحظة فارقة. بين الخصاونة والقاضي، وبين الاستقرار والجرأة، وبين التوافق والتحالفات، تحدد هذه الانتخابات مسار الحياة السياسية الأردنية للسنوات القادمة.
النتيجة لن تحدد فقط من سيجلس على كرسي رئاسة المجلس، بل سترسم خطوط التحالفات البرلمانية، وتكون مؤشرًا على قدرة الكتل على التأثير في القرارات الوطنية الكبرى، وعلى طبيعة التشريع والتوازن السياسي داخل المجلس.
هذا التقرير يعكس الرهانات الكبرى في انتخابات رئاسة مجلس النواب لعام 2025، ويبرز مدى تعقيد المشهد السياسي الأردني، وتداخل المصالح بين الكتل، وتأثير كل خطوة انتخابية على مستقبل المجلس والحياة السياسية في المملكة.






