صدى الشعب – كتبت رولا حبش
منذ عام 1938، حين قرر باحثون من جامعة هارفارد أن يتتبعوا حيوات أناسٍ عاديين جيلاً بعد جيل، لم يكونوا يبحثون عن ثروة أو سرٍّ خفي، بل عن إجابة واحدة بسيطة: ما الذي يجعل الإنسان سعيداً؟
ثمانون عاماً من المراقبة، من القصص المتشابكة، من الحزن والنجاح والشيخوخة، خرجت بخلاصةٍ واحدةٍ تُشبه الهمس أكثر مما تُشبه الاكتشاف: ليس المال، ولا الجمال، ولا الشهرة، هي التي تصنع الحياة الجيدة… بل العلاقات.
فالسعادة، كما وجدوها، لم تكن في البيوت الكبيرة ولا في الأرصدة الممتلئة، بل في الوجوه التي تبقى معنا حين يبهت كل شيء. في دفء الحديث، في حضور من يسمعنا دون أن نحكي، في الشعور بأننا لسنا وحدنا في هذا العالم.
الذين عاشوا حياة طويلة وصحية لم يكونوا أغناهم، بل أولئك الذين أحبّوا بصدق، والذين وجدوا من يمسك بأيديهم في العتمة. أما الذين عاشوا في عزلة، فقد ذبلت أجسادهم كما تذبل الأرواح حين لا تجد من يراها.
الوحدة تقتل ببطءٍ ناعم، مثل سمٍّ لا يُرى، بينما العلاقة الصادقة تُرمم فينا ما تعجز عنه الأدوية. فحين نُحب بصدق، ينخفض التوتر، يهدأ القلب، وتتعافى خلايانا في صمت. الجسد يزدهر حين يشعر بالأمان، والروح تُضيء حين تجد من يؤمن بها.
هذه الدراسة التي قادها الطبيب روبرت والدينغر أكّدت أن المال يشتري الراحة لا السعادة، وأن النجاح بلا مودةٍ يشبه صدى صوتٍ في وادٍ خالٍ. فكل إنجازٍ لا نتقاسمه مع أحدٍ يفقد معناه، وكل خطوةٍ بلا دفءٍ تصبح عبئاً لا رحلة.
وأجمل ما في الخلاصة أن الوقت لا يفوت أبدًا. يمكننا في أي عمر أن نبدأ من جديد، أن نعتذر، أن نقترب، أن نُصلح ما انكسر فينا وفي الآخرين، فالعلاقات ليست زينة الحياة، بل جوهرها.
الحياة الجيدة ليست أن نملك كل شيء، بل أن نشعر أن هناك من يشاركنا كل شيء، ليست أن نعيش طويلاً، بل أن نعيش بدفءٍ يطيل القلب ولو قصر العمر، ففي النهاية، لا أحد يتذكر ما امتلكناه، بل كيف جعلناه يشعر وهو معنا.
الحياة الجيدة، ببساطة، هي أن نُحِبّ … ونُحَبّ … رولا






