صدى الشعب – كتبت م.نور اللوزي
منذ تأسيس الدولة الأردنية الحديثة قبل أكثر من مئة عام، ثبّت الأردن موقعه كركيزةٍ للاستقرار في المنطقة، وصوتٍ للعقل والحكمة في زمن الأزمات، وضميرٍ عربيٍّ حيٍّ لا يغيب عن قضايا الأمة، فقد نشأت الدولة على مبادئ راسخة في الوجدان الهاشمي، قوامها الإيمان بالعدالة ونصرة المظلوم والالتزام بالهوية العربية الجامعة، ومنذ ذلك الحين، لم يتغير الموقف الأردني تجاه فلسطين، بل ظلّ ثابتًا وعميقًا يستند إلى قناعةٍ وطنيةٍ ودينيةٍ بأنّ لا سلام بلا حرية، ولا كرامة من دون عودة الحقوق إلى أصحابها.
يواصل الأردن اليوم، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، هذا النهج الثابت المستمد من الشرعية التاريخية للقيادة الهاشمية، فقد استطاع جلالته أن يجعل من الأردن دولةً فاعلةً في محيطها، تحظى بالاحترام والتقدير، وتقدّم نموذجاً للدبلوماسية الرصينة التي تبني المواقف بخطواتٍ مدروسة ورؤيةٍ استراتيجيةٍ بعيدة المدى، وفي عالمٍ تتصارع فيه المصالح وتتبدّل فيه التحالفات، بقي الأردن وفيّاً لمبادئه، يوازن بين الثبات على الحق والانفتاح في الحوار، وبين الموقف الإنساني والعمل السياسي الواقعي.
وفي حرب غزة الأخيرة، برز الدور الأردني بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني كأحد أكثر المواقف اتزانًا وإنسانيةً في المنطقة، فقد تحرك جلالته على أكثر من مستوى سياسي ودبلوماسي وإنساني، رافضاً استمرار الحرب ومعاناة الأبرياء، ومؤكداً أن حماية المدنيين وإيصال المساعدات واجبٌ أخلاقيٌ وإنسانيٌ على المجتمع الدولي، كما عبّر جلالته عن تقدير الأردن للجهود الدولية والعربية التي أسهمت في التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار، مؤكدًا دعم المملكة لكل مسعى مخلصٍ يهدف إلى إنهاء المعاناة وتحقيق حلٍّ عادلٍ وشاملٍ يضمن للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة في الحرية وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني.
على الأرض، لم يكن الموقف الأردني مجرد كلمات أو مواقف سياسية، بل فعلاً إنسانياً نابعاً من الضمير والواجب، فمنذ اليوم الأول للعدوان، كانت القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي والهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية في مقدمة الجهود الميدانية، تعمل بصمتٍ وتفانٍ لتأمين الجسور الجوية والقوافل البرية والمستشفيات الميدانية داخل القطاع، وعلى مدى عامين متواصلين، نفّذ الأردن 201 قافلة إغاثية ضمت 8664 شاحنة، و53 طائرة إغاثة حملت أكثر من 530 طنًا من المساعدات عبر مطار العريش، و564 عملية إنزال جوي داخل غزة بالتعاون مع سلاح الجو الملكي، إضافة إلى مستشفيين ميدانيين قدّما خدماتٍ طبيةً لأكثر من مليون مراجع، هذه الجهود تمثّل شهادة إنسانية على أن الأردن هو صمام الأمان لأهل غزة، وأن العمل الإغاثي في المملكة ليس استجابةً آنية، بل رسالة دائمة تُجسّد معنى الإخلاص والمسؤولية.
أما الشعب الأردني، فقد كان كما عهدناه دوماً رديفاً ومسانداً لقيادته، مؤمناً برسالتها، وواعياً لدوره، في كل حملة تبرعات، وفي كل مبادرة شعبية، عبّر الأردنيون عن أصالتهم، وعن عمق انتمائهم لوطنهم ولأشقائهم في فلسطين، لقد وقفوا صفاً واحداً خلف قيادتهم، مدركين أن العلاقة بين الملك وشعبه ليست علاقة حاكمٍ ومحكوم، بل علاقة ثقةٍ متبادلةٍ وإيمانٍ مشتركٍ بالمصير والرسالة.
إن الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني يواصل اليوم أداء دوره التاريخي بثقةٍ ومسؤولية، مؤكداً أن السلام لا يُفرض بالقوة بل يُبنى على العدل، وأن الاستقرار الحقيقي لا يتحقق إلا حين ينال الشعب الفلسطيني كامل حقوقه المشروعة، وفي عالمٍ تتكاثر فيه الأزمات وتضيع فيه المبادئ، يبقى الأردن نقطة الاتزان، وصوت الحكمة الذي يصغي إليه الجميع، لأنه لم يساوم يومًا على الحق، ولم يتراجع أمام الضغوط، ولم يسمح أن تُغيب فلسطين عن وجدانه أو أولوياته.
سيبقى الأردن كما أراده ملوكه الأحرار؛ وطناً لا يخون التاريخ ولا يخذل الدم، وقيادته الهاشمية رايةً للعقل والعدل والإنسانية، إنه الوطن الذي جمع في قلبه بين الكرامة والرسالة، وبين المحبة والواجب، يقوده ملكٌ حكيمٌ جعل من السياسة فنًا في الإنسانية، ومن القيادة التزامًا بالحق، ومن الأردن منارةً للأمل في زمنٍ يحتاج إلى النور أكثر من أي وقتٍ مضى.
