صدى الشعب – راكان الخريشا
يبرز الأردن اليوم كلاعب إقليمي محوري، يمتلك موقعاً جغرافياً استراتيجياً يجعله بوابة طبيعية بين المشرق ومصر وفلسطين، ومعبراً آمناً نسبياً نحو غزة، ويأتي هذا الموقع المميز إلى جانب رصيده السياسي المتوازن وعلاقاته الإقليمية والدولية، ليمنح المملكة فرصة فريدة لتحويل هذه المزايا إلى رأسمال جيو اقتصادي من خلال المشاركة الفاعلة في مرحلة إعادة الإعمار.
وتشير المسؤوليات الأردنية إلى إمكانية أن يصبح الأردن مركزاً لوجستياً للإمداد وإعادة الإعمار، ونقطة تنسيق إقليمية بين الدول المانحة والمؤسسات الدولية والقطاع الخاص العربي، من خلال إنشاء ممرات تجارية ومراكز تخزين وفرز على الحدود، ليكون نقطة الانطلاق الأولى لكل المواد والمساعدات المتجهة إلى غزة ضمن إطار منظّم وآمن.
وبهذا السياق قال المحلل الاقتصادي، منير دية، يجب أن يكون للأردن دور محوري في مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار، وهذا يعتمد على علاقاته السياسية في المرحلة القادمة وقدرته على التأثير في القرار السياسي أولاً سواء كان ذلك من خلال علاقاته مع الفصائل الفلسطينية كونها طرفًا أساسيًا في وقف إطلاق النار، ولم يتم استثناؤها، وعلى رأسها حركة حماس، ومن الضروري أن تكون للأردن علاقات مع تلك الفصائل، ومع الوسطاء الرئيسيين مثل قطر وتركيا ومصر، لأن هذه الدول إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية كانت صاحبة الدور الأبرز في رعاية عملية وقف إطلاق النار وتوقيع الاتفاقية، وتبقى العلاقات السياسية هي الأساس الذي يسبق العلاقات الاقتصادية، إذ يتوقف نجاح الدور الأردني على طبيعة علاقاته مع الفصائل الفلسطينية والدول الراعية لاتفاق وقف إطلاق النار.
وأضاف دية تستعد المنطقة لمرحلة جديدة من العلاقات والاتفاقيات، وخاصة بعد سقوط نظام الأسد واستلام الشرع، وهو محور رئيسي في التحولات القادمة، كما أن لتركيا وقطر دورًا كبيرًا في مرحلة ما بعد سقوط النظام، وكذلك في مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار، حيث سيكون لهما مع مصر دور مؤثر في رسم ملامح المرحلة المقبلة، وهذه الدول تسعى لأن تكون شريكًا رئيسيًا ومحوريًا في العملية السياسية منذ بدايتها لتفرض وجودها على أرض الواقع في مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار، سواء في إعادة الإعمار أو جذب الاستثمارات أو مرحلة البناء الشامل.
وأشار دية تبقى العلاقات السياسية الأساس الذي تسبق العلاقات الاقتصادية وتتبعها، إذا أراد الأردن أن يأخذ دورًا محوريًا في هذه المرحلة فعليه أن يعزز دوره السياسي مسبقًا، وأن يبني شبكة من العلاقات المتينة مع الوسطاء والفصائل الفلسطينية، خصوصًا إذا كان الحديث عن غزة وإعادة الإعمار وتدفق الاستثمارات وخطوط الإغاثة ونقل المساعدات وفتح المعابر، وكل ذلك يحتاج اليوم إلى علاقات سياسية راسخة تقوم على المصالح المتبادلة، لتكون منطلقًا لعلاقات اقتصادية مستدامة ومثمرة.
وأوضح دية المنطقة مقبلة على مرحلة من الرخاء الاقتصادي وتدفق الاستثمارات الأجنبية، تتزامن مع حالة من الهدوء التي ستجلب السياحة وتنشط حركة الاستثمار والنقل الجوي والبري والتجارة، فدائمًا ما تكون فترات الاستقرار هي المحرك الرئيس للطفرة الاقتصادية، ومنها تنطلق فرص البناء والنمو واستغلال الإمكانات المتاحة، ويعتمد نجاح الأردن في هذه المرحلة على قدرة القطاع الخاص على التشابك والتكامل مع القطاع الحكومي، ضمن رؤية موحدة تعزز التوافق ووحدة الموقف الاقتصادي، وكما أن دخول الأردن إلى مرحلة إعادة الإعمار، سواء في غزة أو سوريا أو أي دولة أخرى، يتطلب قطاعًا خاصًا قويًا يمتلك رأس مال كافيًا وقرارًا مستقلًا وقدرة على خوض غمار الاستثمارات الكبرى، ومرحلة إعادة الإعمار تحتاج إلى رؤوس أموال ضخمة وصناديق سيادية وشراكات استراتيجية قادرة على تنفيذ مشاريع كبرى، ولهذا فإن وجود قطاع خاص أردني موحد ومتوافق مع القطاع العام هو شرط أساسي، فبدون هذا التكامل الحقيقي لن يكون للأردن دور رئيسي ومحوري في عملية إعادة الإعمار في قطاع غزة أو في غيرها من الملفات الإقليمية المقبلة.
ونوه دية إذا لم يتمكن الأردن من أن يكون له دور محوري في مرحلة إعادة الإعمار وفتح المعابر ومرور الصادرات وغيرها من الملفات، فإنه يمكن أن يضطلع بدور غير مباشر من خلال تعافي اقتصاده القائم جزئيًا على السياحة، فانتعاش القطاع السياحي سيكون له أثر كبير على الاقتصاد الأردني خاصة مع عودة خطوط الطيران والنقل، وزيادة حركة الصادرات إلى السوق الفلسطيني، وفي حال قرر الجانب الإسرائيلي فعلاً التخفيف من القيود التي فرضها منذ السابع من أكتوبر، وكما أن عودة السياحة الأجنبية إلى المنطقة، وازدياد رحلات الطيران العارضة ومنخفضة التكاليف ستسهم في تنشيط الحركة السياحية والاستثمارية في الأردن، ومع تدفق الاستثمارات الأجنبية يمكن للاقتصاد الأردني أن يحقق استفادة ملموسة من هذا الهدوء الإقليمي، عبر نمو الصادرات، وزيادة الدخل السياحي، وارتفاع معدلات النمو الاقتصادي، وخلق فرص عمل جديدة تعزز من متانة الاقتصاد الوطني.
وبين دية الأردن يتمتع بدور محوري ورئيسي، ويمتلك أوراق قوة وضغط سياسية مكنته من الدخول في شراكات اقتصادية فاعلة ولعب أدوار مؤثرة على المستويين السياسي والاقتصادي، ومن هذا المنطلق بات من الضروري إعادة دراسة الواقع الراهن والعلاقات التي تربط الأردن بدول المنطقة في ظل التغيرات المتسارعة التي تشهدها الساحة الإقليمية، فالدور التركي اليوم أصبح واضحًا وقويًا في المنطقة ما يستدعي إعادة التمحور حول الموقف التركي ودوره في كل من سوريا وغزة، وبناء علاقات جديدة تقوم على المصالح المشتركة، سواء السياسية أو الاقتصادية، كما يتطلب الأمر توقيع اتفاقيات اقتصادية جديدة مع تركيا لتوسيع آفاق التعاون، إلى جانب تعزيز العلاقات مع قطر التي تشكل بدورها لاعبًا مهمًا في ملفات إعادة الإعمار ودعم الاستقرار في المنطقة.
وشدد دين إعادة صياغة العلاقات الإقليمية تنعكس بشكل مباشر على الواقع الداخلي الأردني، وتفتح أمامه مرحلة سياسية جديدة تتيح آفاقًا اقتصادية أوسع من خلال بناء شراكات مع دول سيكون لها تأثير أكبر في مستقبل المنطقة.
وأكد دية الأردن بما يمتلكه من موقع جغرافي استراتيجي ومكانة سياسية ثابتة يحتاج اليوم إلى التركيز على بناء علاقات سياسية مختلفة وأكثر ديناميكية من السابق تتماشى مع المتغيرات الإقليمية وتخدم مصالحه الوطنية، فذلك هو السبيل لفتح مجالات اقتصادية جديدة وتمكين الأردن من أداء دور فاعل في ملفات إعادة الإعمار في سوريا وغزة، وتعزيز مكانته كشريك إقليمي محوري في الاقتصاد والسياسة على حد سواء.






