صدى الشعب – راكان الخريشا
في زمن تتسارع فيه المعلومة كلمح البصر، وتتشابك فيه المنصات بين ما هو تقليدي ورقمي، باتت معادلة الإعلام أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى، فبين الورق الذي يَشمخ بتاريخٍ من المصداقية والعمق، والشاشة التي تُبهر بسرعة التفاعل والوصول، يقف الإعلام العالمي والعربي أمام مرحلة إعادة تعريفٍ لدوره ووظيفته.
في الأردن كما في غيره من الدول، تتزايد الأسئلة حول مستقبل الصحافة الورقية والتلفزيون أمام طوفان الإعلام الرقمي الذي كسر حواجز الزمن والمكان، وفتح الباب أمام الجمهور ليصبح شريكًا في صناعة الخبر لا مجرد متلقٍ له.
وفي خضم هذا التحول العميق، تبرز الحاجة إلى فهم العلاقة بين الإعلامين، وكيف استطاع الرقمي أن يغيّر سلوك الجمهور ومزاج المتابع، وأن يفرض على المؤسسات الإعلامية واقعًا جديدًا عنوانه
وبهذا السياق قالت المختصة بالإعلام الرقمي، سرى شطناوي، إن الإعلام التقليدي هو الإعلام الذي يعتمد على الوسائل الكلاسيكية لنقل المعلومات مثل الصحافة والإذاعة والتلفزيون، والتي تتسم عادة باتجاه واحد في الاتصال، وتُعرف ببطء التحديث ومحدودية التفاعل مع الجمهور، أما الإعلام الرقمي، فهو الذي يعتمد على الإنترنت والتقنيات الحديثة في إنتاج ونشر وتبادل المحتوى عبر المنصات الرقمية مثل المواقع الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي، ويتميز بالتفاعلية والسرعة وتعدد المصادر وسهولة الوصول إليها، والميزة الأهم في الإعلام الرقمي هي التفاعلية، إذ أصبح من الممكن معرفة الأثر أو التغذية الراجعة من الرسالة المرسلة، ويتحول فيها المرسل إلى مستقبل والمستقبل إلى مرسل مرة أخرى، مما غيّر منظومة الاتصال وجعل الجمهور مشاركًا ومؤثرًا في الوقت نفسه وليس مجرد متلقٍ.
وأضافت الشطناوي غيّر الإعلام الرقمي سلوك الجمهور جذريًا من حيث الزمن والتفاعل والمصدر فلم يعد الجمهور اليوم ينتظر موعد نشرة الأخبار أو صدور الجريدة، بل يحصل على الأخبار فور وقوعها بشكل مباشر في الوقت الذي يريده من خلال المواقع الإخبارية والمنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي تغيّرت مرجعية الجمهور في الوصول إلى المعلومة، وأصبح الجمهور مشاركًا في إنتاج الأخبار من خلال التعليق أو التصوير أو ما يُعرف بصحافة المواطن، بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع هذا المصطلح، لقد أفرز هذا الواقع سلوكيات جديدة حولت المتلقي إلى مصدر ومنتج للمعلومة في الوقت نفسه.
وأشارت الشطناوي إن الإعلام الرقمي لا يلغي الإعلام التقليدي، بل يُكمله ويدفعه نحو التطور، غير أن المؤسسات التي لا تواكب هذا التطور مهددة بالزوال، فالعديد من المؤسسات الصحفية المطبوعة توقفت عن العمل أو ألغت نسختها الورقية لأنها لم تتجه إلى الرقمنة، وبالتالي فقدت الانتشار الواسع الذي يوفره الإعلام الرقمي، والإعلام الرقمي يوفّر للإعلام التقليدي منصات جديدة لتوسيع انتشاره، فمثلًا، معظم الصحف الأردنية باتت تمتلك مواقع إلكترونية وصفحات نشطة على وسائل التواصل الاجتماعي، في إطار سعيها لمواكبة التحول الرقمي وتوسيع قاعدة جمهورها والوصول إلى شرائح أوسع من المتابعين، والعلاقة بين الإعلامين تكاملية في جوهرها، فالإعلام الرقمي يُكمل الإعلام التقليدي، لكن الأخير إن لم يواكب سرعة التطور الرقمي، فإنه بلا شك مهدد بالاندثار.
وأوضحت الشطناوي الإعلام الرقمي قدم مزايا كبيرة للإعلاميين والجمهور على حد سواء، فبالنسبة للإعلاميين سهّل عملية النشر الفوري ومتابعة تفاعل الجمهور مع المحتوى، ووفّر سهولة الوصول إلى المصادر والمعلومات، كما ساهم في ظهور أنماط صحفية جديدة مثل صحافة البيانات والإنفوغراف، وسهّل سرعة التعديل والتصحيح بنفس سرعة النشر تقريبًا، وهي ميزة نوعية أما بالنسبة للجمهور فقد منحه الإعلام الرقمي مساحة للمشاركة في الحوار الإعلامي وغيّر شكل الاتصال التقليدي، إذ بات من السهل تحديد ما يهم الجمهور من موضوعات عبر قياس التفاعل، إضافة إلى تمكينه من الحصول على المعلومة من مصادر متعددة وفي أي وقت دون انتظار نشرات الأخبار أو صدور الصحف.
وتابعت الشطناوي رغم أن الإعلام الرقمي أصبح السائد، إلا أن الصحافة الورقية والتلفزيون التقليدي ما زالا يواجهان تحديات كبيرة، أبرز هذه التحديات هي التحديات المادية فالإعلام التقليدي مكلف ويتطلب دعمًا ماليًا كبيرًا، في حين أن الإعلام الرقمي أقل تكلفة وأسرع انتشارًا، كما أن تغيّر سلوك الجمهور واتجاهه نحو المنصات الرقمية أدى إلى انخفاض نسبة الإعلانات الموجهة إلى الوسائل التقليدية، الأمر الذي أثّر على إيراداتها بشكل واضح، ومن جهة أخرى، تمثل سرعة التحديث تحديًا آخر، فالإعلام الرقمي بات الأسرع في إيصال المعلومة، بينما تحتاج الوسائل التقليدية إلى وقت أطول للحصول على الأخبار ونشرها، ما يجعلها في بعض الأحيان متأخرة.
وبينت الشطناوي الثقة بين الجمهور والصحافة المطبوعة أو المرئية لا تزال قائمة حتى اليوم، وخلال جائحة كورونا مثلاً، ورغم الانتشار الواسع للأخبار عبر المنصات الرقمية، فإن الجمهور كان يلجأ في النهاية إلى النشرات التلفزيونية والصحف الورقية للتأكد من صحة المعلومة
جمهور الصحافة المطبوعة هو جمهور نوعي ومثقف ومتخصص، ولا يزال يرى في الصحف الورقية مصدرًا موثوقًا ودقيقًا للمعلومة.
وأكدت الشطناوي الإعلام التقليدي والرقمي لا يتنافسان بقدر ما يتكاملان، فالمؤسسات الإعلامية التي تجمع بين النشر عبر الوسائل التقليدية والمنصات الرقمية وفق نموذج “الإعلام المزدوج” هي الأقدر على الاستمرار والنجاح، ولتحقيق ذلك من الضروري أن تستثمر هذه المؤسسات في تدريب الصحفيين على المهارات الرقمية الحديثة لإنتاج ونشر المحتوى بطريقة تناسب جمهور العصر، لأن الهدف النهائي لكل وسائل الإعلام، سواء التقليدية أو الرقمية، هو الوصول إلى الجمهور والتأثير فيه بصدق ومهنية.






