صدى الشعب – خاص
في وقت تعاني فيه العديد من القطاعات الاقتصادية من تبعات التحديات الإقليمية والدولية، تبرز الزراعة الأردنية كقصة نجاح تنموية واقتصادية متميزة، انتقلت من كونها قطاعًا هامشيًا إلى واحدة من أقوى روافع الاقتصاد الوطني، مسجلة معدلات نمو غير مسبوقة.
فقد سجل القطاع الزراعي نموًا قدره 8.6٪ في الربع الثاني من عام 2025، ليواصل تصدّره قائمة القطاعات الأكثر مساهمة في الناتج المحلي الإجمالي، للعام الرابع على التوالي، بحسب بيانات وزارة الزراعة.
تحول استراتيجي برؤية وطنية
جاء هذا التحول نتيجة رؤية استراتيجية تبنّاها الأردن منذ عام 2021، أعادت تعريف الزراعة كقطاع إنتاجي متطور يعتمد على التكنولوجيا، ويؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على باقي مفاصل الاقتصاد.
وسجل القطاع نموًا سنويًا متواصلًا، بلغ 6.9٪ في 2024، مدفوعًا بزيادة الإنتاجية والصادرات، وبتوسيع استخدام التقنيات الذكية في العمليات الزراعية، متجاوزًا تحديات المناخ والتوترات الجيوسياسية.
وتُقدّر مساهمة القطاع المباشرة في الناتج المحلي بأكثر من 6.9٪، فيما تتجاوز المساهمة غير المباشرة 23٪، نتيجة ترابطه مع الصناعات الغذائية، والنقل، والخدمات اللوجستية.
من الزراعة الذكية إلى الاكتفاء الذاتي
تحديث الأنماط الزراعية
اعتمد الأردن أنظمة الري الحديثة، والزراعة الذكية والمائية، ودمج تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي في الإنتاج الزراعي. وتم تطوير نظام تحليل التربة وتحديد احتياجات المحاصيل بدقة، مما رفع كفاءة استخدام المياه والعناصر الغذائية.
إدارة المياه وتقنية “الشرنقة”
تم تقليص استهلاك المياه من خلال توسيع استخدام المياه المعالجة، وتقنيات الحصاد المائي، والري بالتنقيط. كما تم توطين تصنيع تقنية “الشرنقة” محليًا، بعد أن كانت مستوردة، بالتعاون مع الجمعية الملكية لحماية الطبيعة وشركة البوتاس.

مشاريع الحصاد المائي
ضمن استراتيجية وطنية لمواجهة الشح المائي، تم تنفيذ 250 سداً وحفيراً في البادية الأردنية، بسعة تخزينية تبلغ 115 مليون متر مكعب، إلى جانب مشاريع لجمع مياه الأمطار على مستوى المزرعة.

دعم حكومي وتمكين تنموي
تم توفير تسهيلات تمويلية للمزارعين، وزيادة القروض الزراعية بنسبة 402٪ لتصل إلى 55.2 مليون دينار سنويًا. كما ارتفع عدد المزارعين المستفيدين من خدمات الإقراض بنسبة 244٪ ليبلغ 11.7 ألف مزارع، في حين زاد رأس مال مؤسسة الإقراض الزراعي إلى 100 مليون دينار.
وارتفع عدد العاملين في القطاع الزراعي بنسبة 38٪، ليصل إلى 261 ألف عامل، في مؤشر على استعادة القطاع لدوره كمولد رئيسي لفرص العمل.
البحث العلمي وتوسعة بنك البذور
في سياق موازٍ، تم تعزيز البنية البحثية الزراعية، عبر دعم المركز الوطني للبحوث الزراعية، وإطلاق مشاريع بحثية مرتبطة بالأمن الغذائي والتكيف المناخي.

وفي خطوة استراتيجية لحماية التنوع الحيوي وضمان الأمن الغذائي، تم افتتاح مشروع توسعة بنك البذور الوطني، الذي يهدف إلى حفظ الأصول الوراثية للنباتات المحلية والأصناف النادرة، وتوفير قاعدة بيانات مستدامة للأبحاث والتطوير الزراعي.
تمكين الشباب وريادة الأعمال الزراعية
تعزيزًا لدور الشباب في قيادة التحول الزراعي، أُطلقت حاضنة الابتكار الزراعي في المركز الوطني للبحوث الزراعية، كمظلة لدعم وتمكين المشاريع الريادية والأفكار المبتكرة.
تُقدّم الحاضنة خدمات متكاملة تشمل:
الإرشاد الفني
الدعم المالي والتقني
ربط المشاريع بالأسواق
وقد أسهمت في تمكين عشرات المبادرات الريادية التي باتت تساهم في الاقتصاد الزراعي المحلي.
مؤشرات قطاعية تعكس التقدّم
تشير الأرقام الرسمية إلى:
القيمة المضافة للقطاع: 1.691 مليار دينار (نمو 9٪)
ارتفاع إنتاج الخضراوات بنسبة 91٪، والفواكه بنسبة 141٪
نمو قطاع المواشي بنسبة 54٪ ليصل إلى 3.8 مليون رأس
ارتفاع قيمة المنتجات الحيوانية بنسبة 279٪ إلى 1.305 مليار دينار
صناعات زراعية وتصدير مدروس
شهد التصنيع الزراعي قفزة نوعية، مع إنشاء مجمع الصناعات الزراعية في الأغوار الجنوبية على مساحة 135 دونمًا، يتضمن 3 مصانع، وينتج آلاف الأطنان من مركزات البندورة والخضار المجمدة.
كما تم توقيع 20 اتفاقية مع مستثمرين في المدن الصناعية، لتحفيز التصنيع الغذائي، مع توقعات بإنتاج أكثر من 34 ألف طن من البطاطا المصنّعة، و2 ألف طن من الخضار المعدّة للتصدير.
أمن غذائي عبر الإنتاج المحلي
نتج عن السياسات الحديثة تحقيق الاكتفاء الذاتي في محاصيل رئيسية منها:
الخضراوات: البندورة، الكوسا، الباذنجان، الخيار، البصل
الفواكه: المشمش، الزيتون وزيت الزيتون
المنتجات الحيوانية: لحوم الماعز، بيض المائدة، بيض التفقيس، الحليب الطازج
الدواجن: الإنتاج المحلي يغطي 79٪ من احتياجات السوق
كما تم إطلاق مبادرة “لا لهدر الغذاء” للحد من الفاقد الغذائي المقدر بمليون طن سنويًا.
شراكات وتعاونيات تنموية
أسهمت الجمعيات التعاونية الزراعية في توفير أكثر من 30 ألف فرصة عمل، فيما ساعدت الشراكات المحلية على تعزيز سلاسل الإمداد وتحقيق التنمية الريفية.
تسويق ذكي ومهرجانات زراعية
بهدف تنشيط التسويق المباشر للمنتجات، تم إطلاق مهرجانات زراعية سنوية لمنتجات مثل الزيتون، الرمان، التمور، الزعفران، والزهور.

وحده مهرجان الزيتون سجل مبيعات تتجاوز 3.2 مليون دينار في عام 2024، بينما تجاوز إجمالي مبيعاته خلال 4 سنوات 12 مليون دينار.
و لدعم وتسويق المنتجات الريفية تم إنجار أكثر من 95% من المشاريع وهي من مشاريع رؤية التحديث الاقتصادي من مشروع المعرض الدائم للمنتجات الزراعية والريفية في عمان وإربد.
الزراعة تُعيد رسم ملامح الاقتصاد
لم تعد الزراعة الأردنية قطاعًا هامشيًا، بل أصبحت محركًا رئيسيًا في الاقتصاد الوطني، مسلحة برؤية استراتيجية، وتكنولوجيا متقدمة، وتمكين شبابي وريادي، وشراكة حكومية – خاصة متماسكة.
ومع استمرار العمل ضمن الخطط الوطنية والاستثمار في البحث والابتكار، تبدو الزراعة الأردنية في موقع الصدارة، لا تقود النمو فقط، بل تعيد رسم ملامح الاقتصاد لعقد مقبل من الاستقرار والإنتاجية والتنمية المستدامة.






