صدى الشعب – كتب المحامي محمد عيد الزعبي
منذ أيام، تصدّرت وسائل الإعلام تفاصيل ما يُعرف بـ”خطة ترامب لقطاع غزة”، وهي مبادرة ذات 20 نقطة، صاغها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالتنسيق مع بنيامين نتنياهو، وأُخرجت للعالم باعتبارها وصفة سحرية لإنهاء الحرب الدامية المستمرة على غزة. لكن، وبعيدًا عن لغة التسويق السياسي، يحق لنا أن نسأل: هل هي فعلًا خطة سلام، أم وصفة لإدارة الأزمة مؤقتًا على حساب الشعب الفلسطيني؟
ملامح الخطة كما طُرحت
تتضمن الخطة وقفًا فوريًا للقتال بمجرد موافقة الأطراف، يليها:
إعادة جميع الرهائن الإسرائيليين خلال 72 ساعة، مقابل إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين.
انسحاب إسرائيلي مرحلي من غزة إلى خطوط “يُتفق عليها”.
تشكيل إدارة انتقالية من “تكنوقراط فلسطينيين” تحت إشراف دولي، مع استبعاد كامل لحركة حماس.
“مجلس سلام” دولي برئاسة ترامب، بعضويّة شخصيات مثل توني بلير، يتولى إدارة الملف.
خطة إعمار ضخمة تتضمن مساعدات إنسانية، بنية تحتية، ومشاريع اقتصادية.
نزع السلاح وتفكيك البنية العسكرية لحماس، مع نشر قوة مراقبة دولية.
إشارة غامضة إلى إمكان قيام دولة فلسطينية مستقبلًا، ولكن بشروط إصلاحات عميقة لدى السلطة الفلسطينية.
أين تكمن المشكلة؟
أول ما يلفت النظر أنّ الخطة مكتوبة بروح المنتصر: فهي تمنح إسرائيل كل الضمانات الأمنية، لكنها تشترط على الفلسطينيين التخلي عن حماس وسلاح المقاومة، والقبول بإدارة مفروضة من الخارج.
ثانيًا، فكرة “الإدارة المؤقتة الدولية” تبدو أقرب إلى وصاية أو انتداب جديد على غزة، وكأن الفلسطينيين قُصَّر يحتاجون إلى وصيّ. أي منطق هذا في القرن الحادي والعشرين؟
ثالثًا، استبعاد حماس من أي دور سياسي دون توافق فلسطيني داخلي يفتح الباب لصدامات لاحقة، ويُدخل القطاع في مرحلة جديدة من الفوضى بدل الاستقرار.
أما على صعيد القانون الدولي، فأي محاولة لفرض تهجير، أو حرمان شعب من حقه في تقرير مصيره، هي مخالفة صارخة لميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف.
الواقع على الأرض
من الناحية العملية، الخطة لن ترى النور إلا إذا وافقت عليها الأطراف كافة: إسرائيل، حماس، السلطة الفلسطينية، والدول العربية المجاورة. وحتى اللحظة، الرفض هو العنوان الأبرز:
حماس لم تُبد أي استعداد للتنازل عن سلاحها أو قبول إقصائها من المعادلة.
الأردن ومصر عبّرا صراحة عن رفض أي مشاريع تهجير أو إعادة توطين للفلسطينيين.
الشارع الفلسطيني ينظر بعين الشك والريبة لأي خطة تأتي عبر نتنياهو وترامب، خصوصًا بعد ما حمله التاريخ القريب من انحياز واضح لإسرائيل.
ماذا يعني لنا كعرب؟
الخطة قد تبدو للبعض وكأنها “فرصة” لإعمار غزة ووقف الدم. لكن الحقيقة أنها تعكس عقلية إدارة الصراع لا حله: هدنة طويلة مقابل تجريد الفلسطيني من القوة، مع بقاء السيطرة الأمنية والسياسية في يد إسرائيل وحلفائها.
نحن أمام مشهد يتكرر: وعود بإعادة الإعمار، مليارات معلقة في الهواء، ومؤتمرات دولية مصورة، بينما الواقع على الأرض يظل: حصار، فقر، وجثث تحت الركام.
الخلاصة
“خطة ترامب” ليست سوى محاولة جديدة لتدوير الأزمة، وليست حلًا جذريًا لها. فالحل الحقيقي يمر عبر:
إنهاء الاحتلال لا تدويره.
الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
تحقيق مصالحة داخلية فلسطينية تُعيد بناء البيت من الداخل، بدل انتظار وصاية الخارج.
أما ما عدا ذلك، فلن يكون سوى هدنة هشة على أرض مشتعلة، تُرجئ الانفجار القادم بدل منعه.






