صدى الشعب – راكان الخريشا
في الأردن بات البودكاست أكثر من مجرد وسيلة إعلامية حديثة أصبح ظاهرة رقمية وثقافية تحاكي التغيير في طريقة استهلاك المعلومات والنقاش العام عشرات البرامج الصوتية اليومية والأسبوعية يطلقها وزراء ونواب وإعلاميون ونشطاء، يستغلون المنصات الرقمية للوصول مباشرة إلى الجمهور، متجاوزين القيود التقليدية للإعلام الرسمي والخط التحريري الموحد هذا الانتشار السريع يفتح آفاقًا واسعة للنقاش الحر، ويمنح الأردنيين منصة للتعبير عن آرائهم وأفكارهم بشكل غير مسبوق لكنه في الوقت نفسه يثير تساؤلات جدية حول جدية المحتوى وجودته، وسط موجة من البرامج التي قد تتحول إلى مجرد “موضة إعلامية” أو مساحة للظهور الشخصي أكثر من كونها خدمة حقيقية للمجتمع، وبينما يتحدث البعض عن الأردن كمرشح لأن يصبح “بلد المليون بودكاست”، يبقى السؤال الأساسي هل هذه الظاهرة ستحقق تغييرًا نوعيًا في المشهد الإعلامي والثقافي، أم أنها ستظل مجرد صيحة عابرة في عالم الإعلام الرقمي.
في هذا السياق قالت دكتورة الصحافة و الإعلام، ربى زيدان، إن البودكاست في الأردن هو ظاهرة تحمل شقّين، هناك جانب من “الموضة” لأن كثيرًا من الأشخاص يريدون فقط تجربة الميكروفون لكن في الوقت نفسه هو بالفعل يملأ فراغًا تركه الإعلام التقليدي الذي بات أكثر تقليدية وأقل تفاعلية، لم تعد الصحف أو حتى شاشات التلفزيون قادرة على جذب الشباب بالطريقة التي يفعلها البودكاست، واليوم ألاحظ أن كثيرًا من الطلبة مثلًا يفضلون الاستماع للحلقات أثناء تنقلهم في السيارة أو الباص، بدلًا من انتظار نشرة أخبار لا تلامس يومياتهم.
وتابعت زيدان أعتقد أن السر يكمن في أن البودكاست يعطي كل شخصية منبرًا خاصًا بلا مقاطعات ولا قيود زمنية، الوزير أو النائب يستطيع أن يتحدث نصف ساعة كاملة ويشرح روايته للأحداث من دون عناوين مقتطعة أو مونتاج قد يغيّر السياق في بلد مثل الأردن، حيث الخطاب العام غالبًا ما يكون محسوبًا وحذرًا، هذه المساحة تمنح السياسي شعورًا بالتحكم في صورته، أما بالنسبة للإعلاميين والنشطاء، فالأمر يشبه تجديد النجومية بأسلوب أكثر حميمية أقرب إلى جلسة خاصة مع المستمع لا إلى منصة رسمية.
وأضافت زيدان هنا يكمن التحدي الحقيقي، المحتوى النوعي موجود لكنه ما يزال محدودًا مقارنة بالكم الهائل، هناك الكثير من الحلقات التي تبدو مجرد ثرثرة طويلة بلا قيمة مضافة لكن بالمقابل، لدينا نماذج تميزت مثل بعض مبادرات الشباب التي تناقش قضايا اجتماعية بجرأة، أو بودكاست مثل حبر الذي فتح مساحات لحوارات معمقة حول السياسة والمجتمع، أو حتى تجارب فردية سلطت الضوء على قصص من الأطراف بعيدًا عن العاصمة، هذه الأمثلة تثبت أن الجودة ممكنة إذا توفرت الرؤية، وأؤمن أنه بالفعل غيّر المشهد، ولو بشكل تدريجي بعض القضايا التي كانت تُعتبر “هامشية” في الإعلام التقليدي أصبحت تجد مكانها عبر البودكاست قضايا النساء، قضايا الشباب، وحتى نقاشات حول الحريات الفردية النقاش اصبحت أقل رسمية، لكنه في كثير من الأحيان أكثر صدقًا المستمع يشعر أن الضيف يتحدث بلا وسطاء، وهذا بحد ذاته يفتح مساحات جديدة للرأي الحر في الأردن، مساحات لم تكن متاحة قبل سنوات قليلة.
واكدت زيدان قد نصل إلى هذا المشهد، لكن العدد ليس معيارًا الأهم في رأيي هو، هل ستصبح هذه المنصات جزءًا من بنية الإعلام العام في الأردن وتؤثر فعلًا في الرأي العام والسياسات، أم ستظل مجرد موجة لنجومية سريعة تتلاشى بمرور الوقت، إذا استطاعت البودكاستات الأردنية أن تستمر وأن تفرض نفسها كمنصات للنقاش الجاد، فسوف تمثل إضافة نوعية لمستقبل الإعلام والسياسة، أما إذا بقيت تكرر نفسها بلا محتوى نوعي، فلن يتجاوز أثرها حدود “الموضة الرقمية”.






