صدى الشعب – كتب: د. عايش النوايسة / خبيرٌ ومستشارٌ تربويٌّ
لعلَّ من أبرزِ التحدّياتِ التي تُواجِه الأردنَّ اليوم هي مسألةُ المواءمة بين مخرجاتِ التعليم وسوق العمل؛ إذ إنَّ معدّلَ البطالةِ ما يزال مرتفعًا جدًّا، وقد وصل إلى ما يقارب 21.3%، وهو رقمٌ كبيرٌ له انعكاساتٌ خطيرةٌ على النموِّ الاقتصادي والحياةِ الاجتماعية.
إنَّ التطوّراتِ المتسارعة، ولا سيما في مجالي التعلّم والتعليم، قد فرضت تحوُّلًا كبيرًا على جميع النُّظم، ومنها التعليم، الذي وجد نفسَه أمام تحدٍّ جوهريٍّ يرتبط بالانتقال من الطريقة التقليدية إلى نمطٍ جديدٍ نشطٍ يتمحور حول الطلبة، عبر وسائل وأدواتٍ مستحدثة. فالطرقُ النمطيةُ لم تَعُد قادرةً على مواجهةِ التغيّرات أو تقديم تعليمٍ نوعيٍّ يتلاءم مع طبيعة العصر واحتياجات المتعلّمين واهتماماتهم المتنوعة، كما لم تَعُد المناهجُ التقليديةُ قادرةً على تلبية تلك الاحتياجات، مما أدّى إلى بروز فجوةٍ كبيرةٍ بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل.
هذه التحدّياتُ تفرض على مؤسساتِ التعليم ضرورةَ التكيّف مع التغيّرات، من خلال التركيز على المهارات التقنية والرقمية وغيرها من المهارات التي يطلبها سوقُ العمل، وذلك عبر تبنّي نهجٍ تطويريٍّ لعملية التعليم والاعتماد على التعليم الذكيالذي يضمن تحقيق المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات السوق.
لقد أصبح التحوّل في شكل التعليم اليوم ضرورةً ماسّةً؛ ولم يَعُد التعليمُ التقليدي قادرًا على مواجهة المتغيّرات أو تقديم تعليمٍ نوعيٍّ ملائمٍ للعصر. ومن هنا برزت الحاجة إلى التركيز على التعليم التطبيقي وتوظيف الأنظمة الذكية الرقمية في هذا المجال.
إنَّ استخدام هذه الأنظمة يؤدّي إلى انعكاساتٍ إيجابيةٍ كبيرة، إذ تُتيح تعليمًا يراعي الفروق الفردية بين الطلبة ويُعالجها. فهي تستند إلى الذكاء الاصطناعي لتحليل مستوى الطالب وتحديد نقاط قوته وضعفه، ومن ثَمَّ تصميمُ تعليمٍ يتناسب مع قدراته. فإذا كان الطالبُ ضعيفًا في الرياضيات، مثلًا، يُقدِّم له النظامُ تمارينَ إضافيةً مبسطةً تُعينه على الفهم بشكلٍ أفضل، مع التركيز على معالجة نقاط ضعفه. كما تجعل هذه الأنظمةُ التعليمَ أكثر متعةً من خلال تنويع الوسائل والأنشطة واستخدام الألعاب وغيرها من الأدوات التي تُحفِّز الطلبة وتزيد دافعيتهم نحو التعلّم.
ومع ذلك، فإنَّ هذا النوعَ من التعليم يحتاج إلى بيئةٍ مناسبةتشمل بنيةً تكنولوجيةً متطورة، مثل توفير إنترنت عالي السرعة لضمان تشغيل الأنظمة الذكية بسلاسة، وتزويد المدارس بالأجهزة اللازمة كالحواسيب اللوحية (Tablets)، والسبورات الذكية، وأجهزة الواقع الافتراضي (VR) لتحسين تجربة التعلّم. كما يتطلب الأمرُ توظيفَ منصاتٍ تعليميةٍ مدعومةٍ بالذكاء الاصطناعي، وتدريبَ المعلمين على استخدام هذه الأنظمة وتطبيق أدوات مثل تحليل البيانات والتعليم التفاعلي.
ولا شكَّ أنَّ ذلك سينعكس إيجابًا على تطوير التعليم وتحسين جودته عبر توظيفٍ فعّالٍ للأنظمة الرقمية، غير أنَّ هناك تحدّياتٍ كبيرةًأمام التحوّل الرقمي، أبرزها: الحاجة إلى زيادة موازنات التعليم، والتوسّع في إنشاء المدارس للتخفيف من الاكتظاظ، وتوفير بيئةٍ صالحةٍ لهذا التحوّل، إلى جانب ضرورة تدريب المعلمين تدريبًا متخصصًا.
ومن هنا، لا بدَّ من التركيز على تعليمٍ يستند إلى الربط بين الجانب النظري والعملي، من خلال شراكاتٍ فاعلة مع القطاع الخاص، وإثراء معارف ومهارات الطلبة في المجالات المختلفة، مع التركيز على التطبيق العملي في نطاق التخصص داخل مشاغل مهنية مجهزة ومرتبطة بالمؤسسات في القطاعين العام والخاص. إنَّ هذا النهج يُعزّز عمليات اكتساب المهارات المهنية وممارستها في بيئتها الطبيعية، بما ينعكس على جودة مخرجات التعليم، ويسهم في إيجاد فرص عمل جديدة للشباب، ويُشجّع القطاع الخاص على الاستثمار في الطاقات الأردنية الشابة المؤهَّلة في المجالات الصناعية والإنتاجية والتقنية.
إنَّ ذلك كفيلٌ بأن يجعل التعليمَ مواكبًا للتطوّرات، ومتوافقًا مع متطلبات سوق العمل، بما يسهم في إيجاد فرص عمل جديدة، وتحقيق الرفاه الاقتصادي والاجتماعي المنشود.
