خلال مؤتمر مكافحة الطائرات بدون طيار – الشرق الأوسط وأفريقيا
صدى الشعب – راكان الخريشا
في عالم يتسارع فيه إيقاع التكنولوجيا، وتفرض فيه الطائرات المسيرة نفسها كأحد أبرز الابتكارات التي غيرت شكل الحياة المدنية والعسكرية على حد سواء، يقف الأردن ممثلًا بهيئة تنظيم قطاع الاتصالات أمام تحدٍ استراتيجي يتمثل في إدارة الطيف الترددي وضمان استخداماته المشروعة، هذا ما أكده رئيس الهيئة، المهندس بسام فاضل السرحان، خلال مشاركته في مؤتمر مكافحة الطائرات بدون طيار – الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث عرض بتفصيل رؤية الأردن في التعامل مع هذه التكنولوجيا، وشرح كيف تحولت الهيئة من مجرد جهة رقابية إلى محفز أساسي للنمو الاقتصادي والأمن الوطني معًا.
يقال السرحان إن دور هيئة تنظيم قطاع الاتصالات لم يعد يقتصر على الرقابة والمنع كما في السابق، بل أصبح اليوم دورًا محفزًا للنمو الاقتصادي من خلال الإدارة الفعّالة للطيف الترددي واستغلاله بأفضل صورة، بما يجلب الاستثمارات، ويوفر خدمات حديثة، ويعود على الدولة بإيرادات ملموسة، إدارة هذا المورد الوطني تتطلب فهمًا عميقًا للتقنيات الحديثة حتى نستطيع تنظيمها بشكل يخدم المصلحة العامة”، مشيرًا إلى أن الطيف الترددي ليس مجرد نطاقات فنية، بل مورد سيادي يوازي أهميته الموارد الطبيعية الأخرى.
إطار تنظيمي متطور
وخلال كلمته، أوضح السرحان أن الهيئة تستمد عملها من التشريعات الوطنية التي تُلزمها بإدارة الطيف الترددي، وإصدار التراخيص، واعتماد الأجهزة، وحماية سلامة الشبكات، وقال لقد بذلنا جهدًا مبكرًا منذ سنوات لوضع إطار تنظيمي خاص باستخدامات الطائرات المسيرة المدنية، وهو إطار لا يشمل أي استخدامات عسكرية، إذ أن هذه من اختصاص الجهات العسكرية والأمنية.
وبيّن أن الإطار التنظيمي الذي وُضع يحدد الأسس والمعايير الفنية التي تعتمد بالدرجة الأولى على الترددات المستخدمة، وضوابط حمايتها من التشويش أو التداخل، موضحًا أن الأردن، كعضو في الاتحاد الدولي للاتصالات، يلتزم بما يقرره الاتحاد بشأن توزيع الترددات عالميًا، مع الأخذ بعين الاعتبار اختلافات المناطق الجغرافية، وأضاف قمنا بتبني الترددات المخصصة للمنطقة العربية، وصغنا بناءً عليها إطارًا وطنيًا واضحًا يضمن سلامة التشغيل، ويمنع التداخل مع خدمات أخرى حيوية.
من الرخصة العامة إلى التخصيص الفني
وأشار السرحان إلى أن الهيئة أصدرت ما يُعرف بـ”الرخصة العامة” لبعض الاستخدامات، والتي لا تتطلب من الأفراد أو المؤسسات التقدم بطلب ترخيص فردي، بينما يبقى التخصيص الفني للترددات إلزاميًا في حال وجود أكثر من مشغل ضمن الحيز نفسه، وأوضح نحن ندير هذه الجوانب الفنية بعناية، فالتخصيص يضمن عدم حدوث تشويش بين المشغلين، وهو جوهر عملنا في حماية الاستخدامات المشروعة للطيف.
ولفت إلى أن الهيئة اعتمدت نهجًا سبّاقًا برفع قدرة البث المسموح بها للطائرات المسيرة من (20 مليوات) إلى (100 مليوات)، في خطوة تهدف إلى تعزيز قوة الاتصال وزيادة مدى التواصل، وأضاف بهذا القرار، وفرنا مساحة أكبر لفاعلية الطائرات المدنية، ما يتيح استخدامات أوسع وأكثر أمانًا.
إجراءات دقيقة لدخول الطائرات إلى الأردن
وتطرق السرحان إلى الإجراءات المتعلقة بدخول الطائرات المسيرة إلى الأجواء الأردنية، موضحًا أنها تبدأ من المنافذ الجمركية حيث يتم التحقق من مطابقة الأجهزة والترددات العاملة مع البندات المخصصة محليًا ودوليًا وأوضح في حال لم تكن الطائرة مطابقة، لا يُسمح بدخولها، وحتى لو دخلت لا يجوز لها أن تعمل على أي تردد غير مرخص، هذه الإجراءات تهدف إلى منع أي تشويش وحماية حقوق المستخدمين الآخرين للطيف الترددي.
وأضاف إن هناك ثلاث مراحل أساسية الأولى الموافقات النوعية على الجهاز، والثانية التحقق من توافق الترددات، والثالثة تخصيص التردد بشكل رسمي، مؤكدًا أن هذه المنظومة لا تترك مجالًا لاستخدام غير مشروع أو عشوائي.
منظومة مراقبة متقدمة
وكشف السرحان عن استثمار الهيئة في أجهزة متطورة لمراقبة الطيف الترددي، تشمل أنظمة ثابتة ومحمولة ومتنقلة، فضلًا عن إدخال نظام حديث يُستخدم في الأردن إلى جانب كندا فقط، وقال إن هذا النظام يتيح مراقبة دقيقة ولحظية للترددات، ويُظهر تفاصيل استخداماتها بشكل مباشر، حتى أن المستخدم يُرصد لحظة تشغيله للجهاز. هذه الاستثمارات جاءت لحماية الاستخدام المشروع للأجهزة ومنع دخول أو تشغيل طائرات غير مرخصة، مشيرًا إلى أن هذا التطور يضع الأردن في مصاف الدول الرائدة في إدارة الطيف الترددي.
جزء من الجهود الوطنية
وأكد السرحان أن الهيئة جزء لا يتجزأ من الجهود الوطنية لمكافحة الاستخدامات غير المشروعة للطائرات المسيرة، مشددًا على التعاون الوثيق مع الأجهزة الأمنية والعسكرية المعنية، وأوضح نحن نعمل كجزء من منظومة وطنية، لكل جهة فيها دورها وصلاحياتها. دورنا فني وتنظيمي، ودور الأجهزة الأمنية والعسكرية هو ضمان الأمن الوطني ومكافحة أي تهديدات محتملة في نهاية المطاف، هذا واجب وطني تتشارك فيه جميع مؤسسات الدولة.
وأوضح أن هذا التعاون يشمل حتى أنظمة مكافحة الطائرات المسيرة، حيث تعمل الهيئة على ضمان أن لا تعيق هذه الأنظمة عمل الحلول الفنية الأخرى، وأن يتم تنظيمها بشكل يخدم الغاية الأساسية وهي الحماية والأمان.
توازن بين المخاطر والفوائد
وفي ختام كلمته، شدد السرحان على أن الهيئة تنظر إلى أي تقنية جديدة بميزان دقيق يوازن بين الفوائد والمخاطر، وقال كما أن هناك فوائد كبيرة لاستخدام الطائرات المسيرة، هناك أيضًا مخاطر لا يمكن تجاهلها. الحكمة تكمن في أن نعظم من الفوائد ونقلل من المخاطر. ومن هنا يأتي دورنا في الاستباق والتنظيم، لنضمن أن تكون هذه التكنولوجيا أداةً للتنمية والتقدم، وليست مصدر تهديد أو خلل في المنظومة الوطنية.
وختم السرحان إن الأردن، من خلال هيئة تنظيم قطاع الاتصالات، قدّم نموذجًا متقدمًا في إدارة الطيف الترددي، وأثبت أن التنظيم الذكي والسبّاق هو السبيل الأمثل للتعامل مع ثورة التكنولوجيا التي يشهدها العالم، وفي مقدمتها الطائرات بدون طيار.






