صدى الشعب – آلاء سلهب التميمي
في تراثنا الشعري، يطل علينا الإمام الشافعي بأبيات خالدة لا يبهت بريقها مهما تعاقبت القرون.
في قصيدته الشهيرة التي يقول فيها
“لا تأسفن على غدر الزمان لطالما
رقصت على جثث الأسود كلاب”
فيها درس عميق في فهم الحياة والناس والقدَر.
فالزمن بريء من تهم الغدر والخيانة، وإنما الغدر يسكن قلوب البشر حين ينقلبون على بعضهم البعض، وحين تضيع القيم ويُهان الحق.
حين تختبرنا الحياة
فكم مرّ الأردن بمواقف كان فيها التحدي عظيمًا؟
من ضيق الموارد الاقتصادية، إلى أزمات اللجوء، إلى محاولات النيل من أمنه واستقراره.
ومع ذلك، ظلّ هذا الوطن صامدًا كصمود الأسود، لا تزعزعه العواصف، ولا تغره الرقصات العابرة للكلاب على جراحه.
فالأسود أسود، والكرامة الأردنية باقية مهما ضاقت الأحوال.
“تموت الأسود في الغابات جوعًا
ولحم الضأن تأكله الكلاب”
صورة تشبه ما نعيشه اليوم قد يتألم الشريف في صمته، لكنه لا يساوم على كرامته.
وقد يتنعم قليل الحيلة بترفٍ زائل، لكنّ العبرة ليست بما نملك اليوم، بل بما سنُخلّد به غدًا من أثر وسمعة وقيم.
الدهر يومان.. فلنحسن العبور
الشافعي يذكرنا بأن الدنيا قصيرة أمن وخطر، صفو وكدر، فلا دوام لسراء ولا لبقاء الضراء.
تمامًا كما في البحر، قد تطفو الجيف على سطحه، لكنّ الدرر تبقى مستقرة في العمق، محفوظة رغم قسوة الموج.
وهكذا نحن الأردنيين؛ قد تعلو أصوات الضجيج من حولنا، وقد يطفو على السطح فساد أو ظلم أو ضيق حال، لكن في العمق، تبقى قيم الأصالة، والإيمان، والوفاء للوطن.
ومن أخطر ما نفعله أننا نُسقط أخطاءنا على الزمان.
فيقول الامام الشافعي:”نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا”
وهذه حقيقة نعيشها اليوم، ليست الأزمات وحدها سبب معاناتنا، بل أيضًا ضعف التكافل أحيانًا، وقسوة بعضنا على بعض، وغياب المحبة في تفاصيل حياتنا.
“دع الأيام تفعل ما تشاء
وطب نفسًا إذا حكم القضاء”
وهي دعوة للتسليم لما كتبه الله، لا استسلامًا للضعف، بل طمأنينة نابعة من اليقين.
فالحياة فانية، والرزق مقسوم، والموت لا ينجينا منه دواء ولا دواب. وأرض الله واسعة، لكن حين يأتي القدر، يضيق الفضاء.
في هذا الزمن الذي تتكاثر فيه الضغوطات، نحتاج لأن نستعيد هذه الفلسفة في حياتنا بأن نصبر، أن نرضى، أن نعمل، وأن لا نفقد الأمل.
لا تهمّنا رقصات الكلاب على جراحنا، فكرامتنا أكبر من أن تهتز، وإيماننا أعظم من أن ينكسر.
ونربي أبناءنا على أن الأسود تبقى أسودًا، وأن قيمة الإنسان بما يحمله من علم وخلق، لا بما يملك من مال أو منصب.
ولْنتذكر أن الشموس والاقمار وحدها تُكسَف، أما النجوم الكثيرة فلا يلتفت إليها أحد.
دع الأيام تفعل ما تشاء، سنبقى أوفياء، صامدين، مؤمنين، متكافلين.. ففي النهاية، لا يخلّد التاريخ إلا الأقوياء بالقيم والأخلاق والمبادئ ، لا بالمال ولا بالجاه والمنصب.






