صدى الشعب – راكان الخريشا
في وقت يشهد فيه العالم طفرة رقمية متسارعة، يظل ملف الجيل الخامس الـ(5G) في الأردن حاضرًا بقوة على طاولة النقاش، باعتباره ركيزة أساسية للتحوّل نحو اقتصاد رقمي متكامل، ورغم مرور عامين على منح تراخيص تشغيل هذه الخدمة، ما تزال التساؤلات مطروحة حول أسباب محدودية انتشارها، ومدى التزام الشركات بجدول التغطية المعلن، إضافةً إلى الجدل حول أسعار الباقات وملاءمتها لدخل المواطن، فضلاً عن آليات استغلال الترددات الممنوحة.
تطور ملحوظ في التغطية والاشتراكات
هيئة تنظيم قطاع الاتصالات أوضحت أن الخدمة شهدت منذ إطلاقها تطورًا لافتًا على صعيدي التغطية الجغرافية وعدد الاشتراكات، وأكدت أن المتابع لخطط شركات الاتصالات المتفق عليها مع الهيئة يلمس وجود جهود مشتركة لتسريع الانتشار بما يتجاوز المستهدف، إذ تمكّنت الشركات من تجاوز نسب التغطية المخططة للسنة الثالثة.
وبحسب التوقعات، فإن الشركات قادرة على تخطّي نسبة 50% من التغطية السكانية مع نهاية السنة الرابعة من تاريخ منح ترددات الجيل الخامس، أي بحلول الربع الأول من عام 2027، وكما تسعى الشركات المقدمة للخدمة إلى توسيع انتشارها ليشمل جميع محافظات المملكة، في وقت واصل فيه الطلب على الخدمة ارتفاعه، حيث بلغ عدد الاشتراكات حتى الربع الأول من العام الحالي 221,975 اشتراكًا.
وتعمل الهيئة من جانبها، على تذليل العقبات أمام مزوّدي الخدمة من خلال التنسيق والعمل المشترك، بما يضمن تسريع وتيرة الانتشار وتوفير الخدمة في مختلف المناطق.
التزام بخطط التغطية وتسارع في البنية التحتية
الهيئة أكدت أيضًا التزام الشركات بخطط التغطية المتفق عليها، مشيرة إلى أن وتيرة النشر الحالية متوافقة مع هذه الخطط، وأوضحت أن عدد أبراج الجيل الخامس ارتفع ليصل إلى أكثر من 3,370 برجًا، أي ما نسبته 34% من مجموع الأبراج الخلوية في المملكة، في حين تخطّى متوسط سرعات الخدمة لدى الشركات 430 ميغابت في الثانية، هذه الأرقام تعكس بحسب الهيئة جاهزية البنية التحتية للتحول الرقمي، وقدرتها على تقديم خدمات أكثر استدامة في المستقبل القريب.
أسعار الجيل الخامس (5G) بين الجدل والمنافسة
وحول الجدل المتعلق بأسعار الباقات، شددت الهيئة على أن أسعار خدمات الجيل الخامس لا تُعتبر مرتفعة كما يعتقد البعض، وإنما متنوّعة لتتناسب مع احتياجات المواطنين، وأوضحت أن سعر أي باقة يعتمد على كمية البيانات والسرعة التي توفرها، لافتة إلى أن الأسعار عند طرح الخدمة تجاريًا كانت مقاربة لأسعار خدمات الإنترنت الأخرى المتوفرة في السوق.
وأشارت الهيئة إلى أنه من الطبيعي أن تكون أسعار أي منتج جديد عند طرحه مرتفعة نسبيًا، لكن جرى العمل منذ البداية على تقديم حزمة تحفيزية للشركات المزودة للخدمة لضمان طرحها بأسعار معقولة، ولإلزام جميع الشركات بتقديم الخدمة بما يحافظ على روح المنافسة ويحول دون فرض أسعار مرتفعة.
حماية مصالح المستفيدين
أما فيما يتعلق بمسألة فرض أسعار تتناسب مع دخل المواطن، أوضحت الهيئة أنها لا تفرض أسعارًا بشكل مباشر، إذ أن السوق يتمتع بقدر كبير من المنافسة، لكنها في الوقت ذاته تؤدي دورها الرقابي في حماية مصالح المستفيدين من خلال متابعة جودة الخدمات ومواصفاتها وأسعارها.
وبحسب الهيئة، فإن المنافسة الشديدة بين الشركات تدفع كل منها إلى تنويع عروضها ومزاياها، بما يتيح للمستفيدين خيارات واسعة تتناسب مع قدراتهم واحتياجاتهم، ومع استمرار المنافسة والتوسع في التغطية على مستوى المملكة، من المتوقع أن تنخفض أسعار الخدمة تدريجيًا مع مرور الوقت.
استغلال أمثل للترددات
وفيما يخص استغلال الترددات الممنوحة للشركات، بينت الهيئة أن منح الترددات يتم مقابل عوائد مالية مترتبة على حيازتها واستخدامها لفترة محددة، الأمر الذي يشكّل حافزًا للشركات على الاستخدام الأمثل للطيف ضمن مدة الترخيص، عبر تشغيل الشبكات وتقديم الخدمات بكفاءة.
وأكدت الهيئة أنها تتابع بشكل مباشر تنفيذ الشركات للالتزامات المقررة في الاتفاقيات الموقعة، وبما يضمن كفاءة استخدام الطيف وفق الأطر الزمنية المحددة، ووفقًا لدراسات كفاءة الترخيص والاستخدام، ارتفعت نسب الكفاءة إلى أكثر من الضعف بعد توقيع الاتفاقيات، مقارنة بما كانت عليه سابقًا، وهو ما اعتبرته الهيئة انعكاسًا لدورها التنظيمي وتحقيق الاستخدام الأمثل للطيف.
نحو مستقبل رقمي أكثر شمولية
وبين هذه الجهود التنظيمية والاستثمارية، يظل الجيل الخامس في الأردن في مرحلة بناء وتوسع تدريجي، تحمل وعودًا كبيرة لمستقبل الخدمات الرقمية والاقتصاد الذكي، ومع استمرار العمل وفق الخطط الموضوعة، يبدو أن المملكة ماضية بخطوات ثابتة نحو تعزيز بنيتها الرقمية، وتهيئة بيئة تنافسية عادلة، بما يضمن وصول هذه التقنية الحديثة إلى شريحة أوسع من المواطنين في مختلف أنحاء البلاد.
