صدى الشعب – راكان الخريشا
في ظل ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب في الأردن، يبرز التعليم التقني والتدريب المهني كأداة فعّالة لتغيير واقع كثير من الشباب من العاطلين عن العمل إلى أفراد منتجين ومساهمين في الاقتصاد الوطني، فقد أظهرت البيانات أن معدل البطالة في المملكة بلغ 21.4% في عام 2024، منخفضًا بنسبة 0.6 نقطة مئوية عن العام السابق، ما يعكس خطوات ملموسة نحو تقليل البطالة عبر تمكين الشباب بالمهارات العملية التي يحتاجها سوق العمل المتطور.
من خلال البرامج التقنية المتخصصة، يتم تجهيز الشباب بمهارات عملية في مجالات مثل تكنولوجيا المعلومات، صيانة السيارات الهجينة والكهربائية، الطاقة المتجددة، والتصميم الرقمي، ما يفتح أمامهم فرصًا وظيفية كانت في السابق محصورة بالعمالة الوافدة، هذا المسار التعليمي لا يقتصر على تأهيلهم لوظائف محددة فحسب، بل يخلق جيلًا رياديًا قادرًا على تأسيس مشاريع صغيرة ومتوسطة تسهم في تطوير الاقتصاد المحلي وخلق فرص عمل جديدة، معززًا روح المنافسة والابتكار بين الشباب.
ويأتي التعليم التقني في مواجهة التعليم الجامعي التقليدي الذي يركز غالبًا على الجانب النظري، حيث يوفر للمتدربين اندماجًا أسرع في سوق العمل، ويُظهر معدلات بطالة أقل وفقًا لتقارير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومع زيادة إقبال الطلبة على الكليات التقنية وتوسعها في الجامعات الحكومية والخاصة، يثبت المجتمع الأردني تدريجيًا أن التعليم التقني خيار مهني واعد، قادر على تغيير حياة الشباب وتمكينهم اقتصادياً ومهنيًا.
وفي هذا الاطار قال الخبير التربوي، الدكتور عايش النوايسة، يعد التعليم التقني اليوم حاجة ملحة وليس ترفا، إذ إن أبرز التحديات التي تواجه الأردن هي المواءمة بين مخرجات التعليم وسوق العمل؛ حيث إن معدل البطالة مرتفع جدًا، ووصل إلى ما يقارب الأربعة والعشرين بالمئة (24%)، وهو رقم كبير له انعكاسات خطيرة على النمو الاقتصادي والحياة الاجتماعية، كما أن هناك فجوة كبيرة بين التعليم الأكاديمي والتعليم التقني، لذا يفرض ذلك على مؤسسات التعليم ضرورة التكيّف مع التغيرات والتطورات، والتركيز على المهارات التقنية والرقمية المطلوبة لسوق العمل، من خلال تبني نهج تطويري لعملية التعليم، والاعتماد على التعليم والتدريس التقني وفق أفضل الممارسات العالمية، مما يضمن تحقيق المواءمة بين مخرجات التعليم وسوق العمل.
وأضاف النوايسة إن من المعروف أن سوق العمل في الأردن يعاني بشكل كبير من نقص في الأيدي العاملة المدربة في بعض الجوانب التقنية، مثل الطاقة المتجددة، وتطبيقات الحاسوب وصيانته، والبرمجيات، وتطبيقات الأمن السيبراني، وصيانة السيارات الكهربائية وغيرها، وقد انعكس هذا بشكل إيجابي على من توجه نحو الدورات والدبلومات التي طرحت، حيث توفرت لهم فرص عمل ذات دخل جيد، واتجه البعض إلى إنشاء مشاريعهم الخاصة، مما ساعد في حل مشكلة البطالة لديهم، بعد أن كانوا يواجهون صعوبات كبيرة في إيجاد فرصة عمل، فتحوّلوا إلى أفراد إيجابيين ومنتجين.
وأوضح النوايسة لا شك أن التغيرات التقنية والرقمية والتكنولوجية فرضت تغيّرات كبيرة في طبيعة الحياة وأنشطتها، فنجد أن من التخصصات الرائجة اليوم تخصص الطاقة المتجددة، فهو قطاع نامٍ ويوفر فرص عمل ذات مردود ودخل مرتفع، كما أن التطور في صناعة السيارات الكهربائية خلق نشاطًا في السوق يتعلق بصيانة السيارات وبرمجتها وتقديم الخدمات لمالكيها، كما فرض التطور الرقمي ضرورة حماية البيانات، فظهرت تخصصات جديدة تتعلق بالبرمجيات والأمن السيبراني وإنترنت الأشياء وغيرها، بالإضافة إلى ذلك، ظهرت تخصصات جديدة في سوق العمل تشمل الرعاية الصحية، في مجالات الأشعة والمختبرات واللياقة البدنية، وما انعكس على الحاجة إلى صيانة وإدامة الأجهزة التي تستخدمها الفئات كافة.
وتابع النوايسة إن لا شك أن فرص العمل اليوم قد تغيّرت، وتغير معها طريقة الإعداد، فلم يعد الأمر مرتبطًا بالشهادات الأكاديمية بقدر ما أصبح مرتبطًا بالمهارات والكفايات والقدرات، وأصبحت التنافسية في سوق العمل تعتمد عليها، لذا كان من الضروري التركيز في التعليم التقني على الجانب العملي التطبيقي، وإثراء معارف الطلبة المتدربين في المجالات المهنية، مع التركيز على التطبيق العملي في نطاق التخصص المهني ضمن مشاغل مجهزة ومرتبطة بالمؤسسات في القطاعين العام والخاص، لتعزيز اكتساب المهارات المهنية وممارستها في نطاقها المهني، بما ينعكس على جودة مخرجات التعليم المهني ويسهم في إيجاد فرص عمل جديدة أمام الشباب، ويشجع القطاع الخاص على الاستثمار في الطاقات الأردنية الشابة المؤهلة في المجالات الصناعية والإنتاجية والتقنية.
وأشار النوايسة إن التخصصات التقليدية أصبحت راكدة في سوق العمل، ويشهد معدل البطالة فيها ارتفاعًا، ومنها تخصصات الطب والهندسة والعلوم الطبية، وقد شهد سوق العمل تحولًا جذريًا في الحاجة إلى عمالة ماهرة في الجوانب التقنية التي تم ذكرها، مما أدى إلى ظهور جامعات وكليات تتبنى التعليم التقني، نتيجة حاجة سوق العمل، وأصبح الإقبال عليها جيدًا مقارنة بالتخصصات الأكاديمية التقليدية، فالتعليم التقني اليوم يوفر فرص عمل ودخلًا جيدًا مقارنة بغيره.
وأوضح النوايسة حقيقة لا يزال التعليم التقني دون الطموح المطلوب من قبل الجهات المعنية، بسبب سيطرة النظرة التقليدية على تخصصات محددة مرتبطة بالمكانة الاجتماعية، مثل الطب والهندسة وغيرها، كما أن المشروع في التربية والتعليم لا زال في بدايته ويحتاج إلى مقومات نجاح مرتبطة بعلاقة متميزة مع القطاع الخاص لإتاحة الفرصة للتطبيق العملي، ومع ذلك يُسجل للوزارة أنها بدأت مشروعًا نوعيًا لتنويع مسارات التعليم بين التعليم الأكاديمي والتعليم المهني، مع تركيز كبير على الجانب التطبيقي وما يرتبط من أداء ودور مستقبلي في سوق العمل، وقد بدأت الوزارة في العام الدراسي 2023/2024 بستة مجالات في المرحلة الأولى وهي الهندسة والزراعة والتجميل والضيافة والفندقة والأعمال وتكنولوجيا المعلومات”، وأضافت أربعة تخصصات للمستوى الثاني في العام الدراسي 2024/2025 وهي البناء والمنشآت، والسياحة والسفر، والوسائط الإبداعية والفنون والتصميم، بالإضافة إلى توزيع التخصصات على معاهد ومراكز التدريب المهني، حيث تم اعتماد 21 معهدًا تدريبيًا مهنيًا موزعة على 18 مديرية تربية وتعليم، وربط تلك المعاهد بالمدارس المهنية واعتماد تخصصات مهنية تقنية وتوزيع الطلبة فيها، كما توسعت الوزارة في العام الحالي في تخصصات جديدة، منها الرعاية الصحية واللياقة البدنية وغيرها.
وأكد النوايسة إن تنفيذ هذا النوع من التعليم يتطلب بيئة تعلم خاصة، لذا بدأت الوزارة بتطوير مناهج الطلبة من خلال إعداد وحدات دراسية متخصصة لكافة الحقول لتتوافق مع البيئة المحلية، وتم اختيار وحدات دراسية لكل التخصصات من المؤهلات الدولية المترجمة إلى اللغة العربية، مع تزويد التخصصات بإطار دعم متكامل، كما تم تطوير موارد المعلمين من خلال الأدلة الإرشادية لتتماشى مع التخصصات، والكتب المدرسية للطلاب، وتمت ترجمة الوثائق إلى اللغة العربية.






