صدى الشعب – أسيـل جمـال الطـراونـة
أكد رئيس الجامعة الأردنية الأسبق الدكتور اخليف الطراونة أن مديونية الجامعات الأردنية باتت من أبرز التحديات التي تواجه قطاع التعليم العالي في المملكة، مشددًا على أنها ليست قدرًا محتومًا وإنما مشكلة قابلة للعلاج إذا ما أحسنت الجامعات والحكومة التعامل معها ضمن استراتيجيات متكاملة.
وأوضح الطراونة أن أسباب المديونية متعددة ومختلفة من جامعة إلى أخرى، لكنها تلتقي في إطار عام يرتبط بعدة عوامل، أولها ضعف بعض القدرات القيادية لدى رؤساء الجامعات، الأمر الذي ينعكس على إدارة الموارد وتنمية الإيرادات.
وأضاف أن تدني الرسوم الجامعية يمثل سببًا محوريًا، إذ تصل رسوم الساعة المعتمدة في بعض التخصصات الإنسانية والاجتماعية إلى 14 أو 15 دينارًا في جامعات كبرى مثل الأردنية ومؤتة، بينما لا يغطي هذا المبلغ أكثر من نصف الكلفة الفعلية للتعليم. وبحسب الطراونة، فإن الطالب في القبول الموحد لا يتحمل سوى 50% من التكلفة، فيما تتحمل الجامعات الجزء الآخر، وهو ما دفعها خلال السنوات الماضية للجوء إلى البرامج الموازية والدولية لتغطية العجز.
المكارم الملكية والتزامات المادة 22
كما أشار الطراونة إلى أن المكارم الملكية ومكارم أبناء المعلمين وغيرهم تتأخر في بعض الأحيان، ما يضطر الجامعات إلى الاقتراض من البنوك، وهو ما يترتب عليه فوائد إضافية تزيد من الأعباء المالية.
كما بين أن المادة 22 من قانون التقاعد العسكري تُلزم الجامعات بتدريس أبناء المتقاعدين حتى سن الثلاثين على نفقتها، سواء في مرحلة البكالوريوس أو الدراسات العليا، الأمر الذي يكلف الجامعات ملايين الدنانير سنويًا.
القبول الموحد الموسع وتبعاته
ولفت الطراونة إلى أن القبولات الموسعة عبر نافذة القبول الموحد تشكل عبئًا آخر، حيث تصل نسبتها إلى أكثر من 65% من أعداد الطلبة المقبولين، ما يضع الجامعات أمام مسؤوليات مالية ضخمة تفوق قدراتها.
الآثار السلبية للمديونية
وحذر الطراونة من أن استمرار المديونية يترك آثارًا خطيرة على الجامعات، أبرزها تردي البنية التحتية وتآكل الأجهزة والمختبرات نتيجة غياب الصيانة والتحديث وتراجع جودة التعليم وعدم قدرة الجامعات على مواكبة التحولات العالمية في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والرقمنة ايضًا تأثير سلبي على الطلبة من خلال ضعف البيئة الجامعية المنظمة، الأمر الذي قد يدفع بعضهم إلى العنف أو سلوكيات غير مرغوبة وهجرة الكفاءات الأكاديمية، حيث يسعى أعضاء هيئة التدريس المؤهلون لمغادرة الجامعات نحو فرص أفضل في دول مجاورة أو خارجية نتيجة ضعف الرواتب والحوافز.
حلول مقترحة لمعالجة الأزمة
كما قدم الطراونة حزمة من المقترحات لمعالجة المديونية، أبرزها تنويع مصادر دخل الجامعات والابتعاد عن الاعتماد على الرسوم فقط وتشبيك الجامعات مع القطاع الخاص للاستفادة من مخرجات البحوث العلمية وربطها بالصناعة الوطنية، مثل شركات الفوسفات والبوتاس والأسمنت والأسمدة ايضًا استثمار رأس المال الفكري المتمثل في آلاف أعضاء هيئة التدريس عبر تقديم الخبرة والبحث والاستشارة واستغلال المرافق الجامعية من قاعات وملاعب ومختبرات ومكتبات في الأنشطة والفعاليات والمؤتمرات خلال أوقات الفراغ بالإضافة إلى إدخال القطاع الخاص في شراكات استثمارية لإدارة أصول الجامعات من أسهم وسندات وأراضٍ وعقارات، أسوة بما حققته الجامعات الخاصة وإنشاء صناديق خاصة للمادة 22 يتحمل فيها كل من الجامعات والحكومة والقوات المسلحة ثلث التكاليف وتعزيز الريادة والابتكار باعتبارها وظيفة رابعة للجامعات، عبر إطلاق حاضنات أعمال ومشاريع ريادية تسهم في تنمية الإيرادات ايضًا التشبيك مع الجامعات العالمية بما يضمن تبادل الخبرات والاستفادة من التجارب الناجحة.
وختم الطراونة حديثه بالتأكيد على أن المديونية، رغم خطورتها، ليست مستحيلة الحل، شريطة اختيار قيادات أكاديمية حصيفة على رأس الجامعات، وتفعيل دور مجالس الحاكمية الداخلية والخارجية، بما فيها مجلس التعليم العالي وهيئة مكافحة الفساد وديوان المحاسبة.
وشدد على أن معالجة هذه الأزمة تتطلب تضافر كافة الجهود، وإدماج الريادة والإبداع والابتكار ضمن وظائف الجامعات الأساسية، بحيث تتحول من عبء مالي إلى مؤسسات قادرة على المساهمة في التنمية الوطنية والاقتصاد المعرفي.






