د. محمود الرجبي لصدى الشعب: غياب المعلومة الدقيقة يفتح الباب أمام “وباء معلوماتي”
صدى الشعب_ ليندا المواجدة
في زمنٍ تتسارع فيه الأحداث وتتصاعد فيه التفاعلات على منصات التواصل الاجتماعي، لم تعد الشائعة مجرد خبر عابر، بل تحوّلت إلى ظاهرة مقلقة تهدد ثقة المجتمعات بمصادر المعلومات.
وفي هذا السياق يوضح الدكتور محمود الرجبي لصدى الشعب، أستاذ الإعلام الرقمي المشارك في جامعة الشرق الأوسط، أسباب تفشي الشائعات وآليات انتشارها، والدور المطلوب من الإعلام والمجتمع والدولة للتصدي لهذه الظاهرة المقلقة.
يعرّف الرجبي الشائعة بأنها “خبر أو معلومة غير صحيحة يتناقلها الناس لتفسير موضوع في ظل الغموض أو نقص المعلومات”
ويشير إلى أن الأخبار الزائفة تنتشر أسرع وأعمق من الحقيقة، لأنها غالبًا ما تكون مثيرة مبنية على الخوف أو الدهشة ما يزيد من رغبة المستخدمين في مشاركتها وإعادة نشرها.
ويؤكد أن الدراسات النفسية والإعلامية تؤكد أن المحتوى الذي يثير مشاعر قوية كالدهشة أو الغضب أو القلق يصبح أكثر قابلية للانتشار، أي “فيروسياً”.
أما عن أسباب تصديق الناس للشائعات ونشرها، فيقول الرجبي إن ذلك يرتبط بنقص المعلومات حول قضايا تمس حياة الناس أو مصالحهم، ويعمل الانحياز التأكيدي (Confirmation Bias) على تعزيز قبول ما يتوافق مع قناعاتهم المسبقة. ويضيف أن غياب التفكير الناقد وضعف القدرة على تحليل المنشورات يجعل كثيرين يعيدون نشر المحتوى دون التحقق من صحته، وهو ما يسهم في انتشار الأكاذيب وتشويه وعي الناس، ويؤثر على سلوكياتهم وقناعاتهم.
ويشير الرجبي إلى أن كثافة استخدام منصات التواصل الاجتماعي، وبنيتها الخوارزمية، تُسرّع انتشار الأخبار الزائفة مقارنة بالحقيقة، وهو ما وصفته منظمات صحية عالمية بـ”الوباء المعلوماتي” (Infodemic)، خاصة في أوقات الأزمات.
كما تلعب المشاعر القوية مثل الخوف أو الغضب أو الأمل دوراً كبيراً في دفع الناس لمشاركة أي محتوى دون التحقق منه، مما يجعل المنشورات المضللة أكثر قابلية للانتشار على نطاق واسع.
ويؤكد الرجبي أن الإعلام يتحمل مسؤولية كبيرة في مواجهة الشائعات عبر سرعة تفنيد الأكاذيب ونقل المعلومات الصحيحة، مع ضرورة تعاون المسؤولين في توفير البيانات الدقيقة للإعلاميين والمؤثرين، لأن أي تأخير يمنح الشائعات فرصة أكبر للانتشار.
ويضيف أن الجانب الآخر يكمن في تثقيف المواطنين بأهمية التحقق من المعلومات وبناء عقلية ناقدة، مع تعزيز الشفافية في التعامل مع المعلومات من قبل جميع الجهات الحكومية والخاصة. ويشدد على أن أي حجب للمعلومة أو غياب الشفافية يخلق بيئة خصبة لانتشار الأخبار الكاذبة.
أما استراتيجيات التخفيف من خطورة الشائعات، فيوضح الرجبي أنها تبدأ بتطوير آليات رصد الشائعات وإشراك المواطن فيها، مع الاستجابة السريعة لمحاصرتها. كما أن وسائل الإعلام يجب أن تكون أقرب للمواطن وتتبنى قضاياه، بما يزيد من ثقة الناس بالمعلومات الرسمية مقارنة بالإشاعات.
ويضيف أن إجراء تجارب مسبقة عند إصدار أي قرار حكومي جديد لمجموعة من المواطنين يمكن أن يقلل من فرص استغلال الثغرات من قبل المتصيدين.
ويختم الرجبي حديثه بالتأكيد على أن المواطن هو الأساس في أي عملية إصلاح فكري أو اجتماعي، وأن الثقة بين الدولة والمجتمع تبدأ من المعلومة الصحيحة والشفافية. فمحاربة الشائعة لا تكون فقط عبر الردود، بل عبر بناء بيئة صحية تحترم عقل الإنسان وحقه في المعرفة
كما نرى، انتشار الشائعات لم يعد مجرد مسألة فردية بل أصبح ظاهرة اجتماعية وإعلامية تؤثر على وعي المجتمع وثقته بمصادر المعلومات.
دورنا جميعًا كمواطنين وإعلاميين ومسؤولين هو تعزيز الشفافية والتحقق من المعلومة قبل تداولها، وبناء ثقافة نقدية تُمكّن المجتمع من مواجهة أي محتوى مضلل فالمواطن هو الأساس، والمعلومة الصحيحة هي الطريق لتعزيز الثقة وبناء مجتمع أكثر وعيًا واستقرارًا.
