صدى الشعب – راكان الخريشا
في ظل التحديات الاقتصادية التي يشهدها سوق العمل الأردني، أصدرت دائرة الإحصاءات العامة تقريرها الربعي حول العمالة والبطالة في المملكة للربع الثاني من عام 2025، كاشفًا عن أرقام تعكس مزيجًا من الانخفاض الطفيف في المعدلات العامة للبطالة مقابل استمرار ارتفاع نسبها بين الإناث، وتباينها بين المحافظات فقد أظهر التقرير أن معدل البطالة الكلي بلغ 21.3% بانخفاض طفيف عن العام الماضي، فيما سجلت محافظة معان النسبة الأعلى بواقع 33.9%، مقابل أدنى معدل في العقبة عند 15.6%، لتبقى القضية محورًا رئيسيًا على أجندة الاقتصاد الوطني.
وفي هذا الاطار قال المحلل الاقتصادي، منير دية، بخصوص تقرير دائرة الإحصاءات العامة حول نسب البطالة في المملكة والذي بيّن أن هناك انخفاضًا بمقدار عشرة بالمئة عن الربع الثاني من العام 2024، حيث بلغت نسبة البطالة في الربع الثاني من العام 2021 21.3% مقارنة مع 21.4% في الربع الثاني من العام 2024، هذه النسبة ورغم انخفاضها بمقدار عشرة بالمئة، إلا أنها تدل على أننا ما نزال من أعلى معدلات البطالة في العالم وفي المنطقة، حيث إن الاقتصاد لا ينمو بنسبة قادرة على استيعاب الخريجين والقوى العاملة التي تدخل إلى السوق المحلي، لذلك ما زالت نسب البطالة مرتفعة، وتُعتبر من الأعلى عالميًا كما ذكرنا، إذ يبلغ معدل البطالة في الدول ذات الدخل المماثل لمستوى الدخل في الأردن حدود 5% إلى 7%، بينما تصل لدينا إلى 21.3%، ما يجعلنا من بين الدول ذات أعلى معدلات البطالة، ولا زالت مشكلة البطالة هي التحدي الرئيسي في الاقتصاد الوطني، حيث إن الاقتصاد حتى الآن غير قادر على النمو بطريقة يمكنها استيعاب أعداد العاطلين عن العمل، والتي وصلت إلى أكثر من 460 ألف شاب وشابة عاطلين عن العمل بحسب آخر الإحصاءات، وهو ما يجعل من هذه المشكلة تحديًا بارزًا في الاقتصاد الوطني.
وأشار دية إن من خلال التقرير نجد أن البطالة لدى الإناث ما تزال مرتفعة وقد زادت بنسبة 1.8% مقارنة بالربع الثاني من العام الماضي وهذا يدل على أن هناك فجوة واضحة بين التخصصات التي تدرسها الإناث وبين ما يطلبه السوق، كما أن هناك تخوفات لدى أصحاب العمل من تشغيل الإناث بسبب قضايا إجازات الأمومة والحمل والولادة وما يكلف أصحاب العمل من أعباء إضافية، فضلًا عن أن التخصصات التي تدرسها الإناث ما تزال نظرية أكثر من كونها تقنية أو مهنية.
وأوضح دية يبدو أن سوق العمل غير قادر على استيعاب كل تلك الأعداد من الخريجات اللواتي يدرسن التخصصات نفسها تقريبًا، بينما السوق بحاجة إلى تخصصات تقنية ومهنية أكثر، ولعل قطاع التعليم هو القطاع الوحيد الذي يستوعب حتى الآن أكبر عدد من الإناث، ومع ذلك تبقى الفجوة قائمة بين ما تتم دراسته وما يحتاجه سوق العمل، لذلك فإن معظم المتعطلات عن العمل هن من حاملات شهادة الثانوية العامة وأيضًا شهادة البكالوريوس، وهذا يدل على أن التخصصات المطروحة بالجامعات الأردنية بحاجة إلى إعادة نظر، بحيث يتم التركيز على تخصصات جديدة تقنية ومهنية تواكب متطلبات العصر والتقدم العلمي، وتلبي حاجة السوق سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص.
وأوضح دية بالنسبة للعمالة الوافدة، فهي تشكل ما يقرب من 45% من القوى العاملة في الأردن، وهي قضية تؤرق الاقتصاد الوطني. إذ يوجد أكثر من مليون وثلاثمئة ألف عامل وافد، منهم 300 ألف فقط يعملون بشكل منظم ضمن تصاريح عمل رسمية، فيما يقارب المليون عامل غير منظمين. وهذه النسبة الكبيرة تشكل تحديًا كبيرًا للشباب الأردني وتزيد من نسبة البطالة بشكل واضح، فعندما تكون 45% من القوى العاملة غير أردنية، وبوجود مليون عامل وافد غير منظم، فإن هذه إشكالية لم تستطع الحكومات المتعاقبة حلها، العمالة الوافدة أخذت نصيبًا كبيرًا من سوق العمل، فيما لم تستطع العمالة الأردنية منافستها بسبب ضعف التدريب والتأهيل وعدم منحها ميزات كافية، بالتالي خسرت العمالة المحلية جزءًا كبيرًا من حصتها في سوق العمل وحتى مع محاولات تخفيض هذا العدد من العمالة الوافدة، ما زلنا نتحدث عن ما يقرب من 45% من القوى العاملة غير أردنية، وهي نسبة مرتفعة جدًا على اقتصاد مثل الاقتصاد الأردني الذي يعاني أصلًا من نسبة بطالة مرتفعة وصلت إلى أكثر من 21% .
ونوه دية إن اليوم وبناءً على الإحصاءات، فإن نسب حملة شهادة الثانوية العامة هي الأعلى بين المتعطلين عن العمل، حيث يشكلون نحو 60% من المتعطلين، لذلك لا بد من إعادة دراسة التخصصات التي تطرحها الجامعات وربطها باحتياجات السوق الفعلية في القطاعين العام والخاص، فالسوق بحاجة إلى تخصصات مطلوبة باستمرار ولا يكفيها عدد الخريجين الحالي كما يجب إعادة الاعتبار للتعليم المهني والتقني، وربط التخصصات بالقطاعات التي يعمل بها العمال الوافدون والتي تتقاضى رواتب مرتفعة، بحيث يتم استبدالهم بعمالة أردنية مؤهلة ومدربة، وهذا يتطلب تغيير الثقافة المجتمعية تجاه التعليم المهني لإقناع الشباب بالالتحاق به حتى يتم استبدال العمالة الوافدة، وإلا سنبقى نخرج للسوق تخصصات غير مطلوبة، مما يؤدي إلى تراكم البطالة بين الخريجين وحملة الشهادات الجامعية.
وأشار دية بالنسبة للمشاركة الاقتصادية في الأردن فهي لا تتجاوز الثلث أي أن ثلث القوى العاملة فقط تشارك فعليًا في الاقتصاد الوطني، بينما أكثر من ثلثي القوى العاملة غير مشاركة، وهذه نسبة مرتفعة عالميًا حيث إن ثلث القوى العاملة فقط هي التي تنجز وتساهم بالناتج المحلي الإجمالي، فيما الثلثان الآخران معطلون لا يعملون ولا ينجزون، وهذا تحدٍ كبير يجب التعامل معه عبر توسيع قاعدة المشاركة الاقتصادية حتى يساهم معظم أفراد المجتمع في الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي زيادة دخولهم وتحسين النمو الاقتصادي، أما مشاركة الإناث فهي منخفضة جدًا ولا تتجاوز 14% فقط، كما ذكرنا سابقًا بسبب أسباب تتعلق بالتخصصات الدراسية وغياب التوجه نحو التعليم المهني والتقني، إضافة إلى تخوفات أصحاب العمل من تكاليف الإجازات الخاصة بالمرأة مثل الأمومة والولادة.
وأكد دية ما تزال محافظات الجنوب هي الأعلى في نسب البطالة، حيث تحتاج هذه المحافظات إلى مزيد من المشاريع ومزيد من الاهتمام من خلال إعطائها ميزات استثمارية وإعفاءات للمستثمرين، إضافة إلى حماية استثماراتهم وتسويق ما تتميز به هذه المحافظات، فالجنوب الأردني يزخر بموارد طبيعية هامة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والمعادن النادرة. وهذه الموارد بحاجة إلى مشاريع استثمارية ضخمة تستطيع تشغيل أعداد كبيرة من أبناء هذه المحافظات، خصوصًا محافظة معان، وهذا يتطلب جهدًا مشتركًا بين القطاعين العام والخاص، وجذب استثمارات خارجية تركز على الميزة التنافسية لتلك المحافظات وما تحتويه من خيرات وثروات طبيعية، بحيث يتم استثمارها بشكل ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني ويساهم في تقليص نسب البطالة.
