صبابحة لــ(صدى الشعب): السياحة البيئية في محمية ضانا أنموذج للتنمية المستدامة
صدى الشعب – سيف الدين القومان –
تشهد السياحة البيئية اهتماماً متزايداً على الصعيد الدولي، باعتبارها أحد أشكال السياحة المستدامة التي توازن بين متعة الاكتشاف والحفاظ على الموارد الطبيعية، في عالم يواجه تحديات بيئية متنامية، وتراجع التنوع الحيوي، وأصبح التوجه نحو السياحة الصديقة للبيئة ضرورة وليست ترفاً.
وقال د. صفاء صبح صبابحة أستاذ الجغرافيا السياحية في جامعة الحسين بن طلال لـ”صدى الشعب”، يتمتع الأردن بالعديد من المقومات التي تسهم في تنشيط السياحة البيئية، وفي مقدمتها التنوع الحيوي الغني الذي يشمل آلاف الأنواع النباتية والحيوانية، ومنها ما هو مهدد بالانقراض، والمناخ المعتدل نسبياً الذي يتيح السياحة على مدار العام، كما تشكل المواقع الجيولوجية الفريدة ،مثل وادي رم والبحر الميت إضافة نوعية للبيئة الأردنية، ويضاف إليها المحميات الطبيعية التي تمثل مزيجاً بين الطبيعة والتاريخ، وعمل الاهتمام الرسمي والشعبي بالحفاظ على البيئة على تشكيل الإطار التشريعي والتنظيمي للسياحة البيئية، والذي انعكس في إنشاء المحميات الطبيعية.
وأضافت، تعد محمية ضانا للمحيط الحيوي من أهم المحميات الطبيعية في الأردن وأكثرها شهرة على الصعيدين المحلي والعالمي، حتى أنها باتت تُعرف بالقلب الأخضر للأردن، فقد تأسست المحمية عام 1989 بإشراف الجمعية الملكية لحماية الطبيعة، واتخذت الجمعية الملكية لحماية الطبيعة في عام 1994، خطوات رائدة في محاولة للحفاظ على التنوع البيولوجي الثمين الموجود في ضانا، وبتمويل من صندوق البيئة العالمي، حيث أنها وضعت أول خطة لإدارة المناطق المحمية في الأردنّ، وجعل محيط محمية ضانا الحيوي نموذجًا متكاملاُ للحفاظ على البيئة بالإضافة إلى التنمية الاجتماعية الاقتصادية.
وأشارت، حددت الخطة الأهداف والاستراتيجيات والأولويات التي تعمل في نهاية المطاف على إيجاد توازن بين حماية عجائب ضانا الطبيعية وبين تلبية احتياجات السكان المحليين وتقوم هذه الاستراتيجية بالأغلب على مفهوم تقسيم المناطق، وتحديد المناطق التي يمكن أن تقام فيها الأنشطة البشرية.
وبحسب د. صبابحة تُعتبر أكبر محمية في الأردن بمساحة تقارب 292 كيلومتراً مربعا، وتقع المحمية إلى الجنوب من محافظة الطفيلة، وتمتد على سفوح عدد من الجبال من منطقة القادسية والتي ترتفع أكثر من 1500م، وتنخفض إلى سهول ووديان كوادي عربة، وتتنوع التراكيب الجيولوجية فيها ما بين الحجر الجيري والجرانيت، وتتفرد ضانا بميزاتها البيئية، إذ أنها المحمية الوحيدة في الأردن التي تحتوي على الأقاليم الجغرافية الأربعة: إقليم الصحراء العربية، والإقليم الإيراني-الطوراني، والإقليم السوداني ، إضافة إلى إقليم البحر المتوسط، مما جعل منها موطناً لأكثر من 830 نوع نباتي تشكل 50% من الحياة البرية في الأردن، بالإضافة إلى هذا التنوع الحيوي، تتميز ضانا باحتضانها للتراث الثقافي والإنساني، إذ يعيش في محيطها السكان المحليون الذين يمارسون الزراعة التقليدية والحرف اليدوية، مما أسهم في إضافة بعداً اجتماعياً للسياحة البيئية فيها.
وأشارت، أن السياحة البيئية في محمية ضانا شهدت تطوراً ملحوظاً منذ إنشائها، فقد تحولت من مجرد موقع لحماية الطبيعة إلى مقصد سياحي يجذب آلاف الزوار سنوياً من داخل الأردن وخارجه، ويمكن للسائح ممارسة العديد من الأنشطة في ضانا بما يعكس مفهوم السياحة المستدامة، وبما يتوائم مع الحفاظ على المواد الطبيعية فيها، حيث تضم المحمية شبكة من المسارات المجهزة والمناسبة لمختلف المستويات، بدءاً من المسارات القصيرة المخصصة للنزهات البسيطة، وصولاً إلى المسارات الطويلة التي قد تستغرق عدة أيام، وتوفر المحمية أماكن إقامة تتنوع بين النُزُل البيئية البسيطة والمخيمات التقليدية، والتي صُممت لتكون منسجمة مع البيئة المحلية وتستخدم مصادر طاقة بديلة، ويُشكل المطبخ التقليدي جزءاً أساسياً من التجربة السياحية في ضانا، حيث تُقدم أطعمة محلية محضرة من منتجات زراعية طبيعية، ويمكن للسائح التفاعل مع السكان المحليين من خلال المشاركة في صناعة الحرف اليدوية التقليدية أو حضور فعاليات ثقافية.
ولفتت، على الرغم من النجاحات، إلا أن السياحة البيئية في الأردن عموماً، وفي ضانا خصوصاً، تواجه مجموعة من التحديات، في مقدمتها التغيرات المناخية خلال السنوات الأخيرة، فالانخفاض المتوالي في كميات الأمطار وارتفاع درجات الحرارة يُهدد النظم البيئية الهشة، ويؤثر في وفرة التنوع الحيوي، كما أن الضغوط السكانية والأنشطة البشرية مثل الرعي الجائر أو الزراعة غير المنظمة تؤثر بشكل واضح على الأنظمة البيئية، كما أن انخفاض التمويل يعيق تطوير البنية التحتية البيئية بشكل مستدام.
وبينت، كما يسهم الضعف الترويجي والإعلامي والتسويقي في تراجع السياحة البيئية في الأردن. فعلى الرغم من امتلاك المملكة لمقومات طبيعية وبيئية فريدة، إلا أن حضورها على منصات التسويق العالمية يبقى محدوداً، حيث يتركز الاهتمام الرسمي والإعلامي على السياحة التاريخية والدينية أكثر من البيئية. هذا القصور مما يجعل الكثير من السياح المحتملين غير مدركين لقيمة المحميات الأردنية وتجاربها المميزة، وبالتالي الحد من فرص جذب أسواق جديدة، ويضعف تنافسية الأردن في مواجهة الوجهات العالمية الأخرى التي استثمرت بكثافة في التسويق الرقمي والحملات الدعائية المبتكرة.
ولمواجهة هذه التحديات، لا بد من زيادة الدعم المالي للمحميات من خلال شراكات مع القطاع الخاص والمنظمات الدولية، وتطوير برامج توعية بيئية تستهدف الزوار والمجتمعات المحلية، وتعزيز مشاركة المجتمع المحلي من خلال توفير فرص عمل مستدامة وتدريب على إدارة المشاريع السياحية. بالإضافة إلى الاستثمار في الطاقة المتجددة والبنية التحتية الخضراء داخل المحميات.
واكدت، أن التسويق الرقمي يشكل أداة حيوية لتعزيز حضور محمية ضانا على خارطة السياحة البيئية العالمية، فمع التحول المتسارع نحو المنصات الرقمية، أصبح من الممكن استهداف أسواق واسعة من خلال استراتيجيات ذكية تشمل إنشاء محتوى بصري جذاب يعرض تنوعها البيئي والأنشطة المتاحة فيها، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتفاعل المباشر مع الزوار المحتملين.
كما يمكن اعتماد الحملات الرقمية الموجهة عبر محركات البحث والإعلانات الإلكترونية، إلى جانب الشراكات مع المدونين والمؤثرين في مجال السفر المستدام، مما يسهم في إبراز ضانا كوجهة فريدة تجمع بين جمال الطبيعة والأصالة الثقافية. فالاستثمار في التسويق الرقمي يُسهم في زيادة أعداد السياح كما أنه يعمل على تعزيز وعي المجتمع المحلي والعالمي بأهمية حماية المحمية واستدامة مواردها.
وخصلت، بأن بالتأكيد بأن محمية ضانا ليست مجرد موقع طبيعي محمي، بل نموذج حي للسياحة البيئية التي تجمع بين متعة الاكتشاف والحفاظ على البيئة والتنمية المجتمعية. فهي تمثل تجربة متكاملة تُظهر كيف يمكن للطبيعة والإنسان أن يتعايشا بتناغم، وكيف يمكن للسياحة أن تكون وسيلة لحماية الموارد بدلاً من استنزافها. وإذا استطاع الأردن أن يواجه التحديات القائمة من خلال حلول عملية ومستدامة، فإن محمية ضانا ستبقى أيقونة السياحة البيئية في المنطقة، ومقصداً عالمياً لكل من يبحث عن جمال الطبيعة وروح الأصالة.






