صدى الشعب – كتب المحامي محمد عيد الزعبي
في خضم النقاشات الوطنية حول تعزيز الانتماء وترسيخ المواطنة، برز مصطلح “الهوية الجامعة” كعنوان لمشروع يبدو في ظاهره خطوة نحو مجتمع أكثر وحدة وتماسكًا. الفكرة تقوم على إذابة الفوارق المناطقية والأصولية لصالح انتماء واحد، هو الانتماء للأردن.
لكن، خلف هذه العناوين العريضة، تختبئ أبعاد سياسية وقانونية واجتماعية حساسة، خصوصًا في ظل ارتباط البنية السكانية الأردنية بالقضية الفلسطينية وتشابكاتها الإقليمية والدولية.
البعد السياسي
القضية الفلسطينية ليست ملفًا خارجيًا بالنسبة للأردن، بل هي جزء من أمنه القومي واستقراره. فمنذ نكبة 1948 والنكسة عام 1967، استقر في الأردن ملايين الفلسطينيين، بعضهم نال الجنسية الأردنية، والبعض الآخر بقي تحت تصنيف “لاجئ” أو “نازح” وفق قرارات الأمم المتحدة.
هذا التصنيف لا يحمل فقط بعدًا إنسانيًا، بل هو ضمانة سياسية وقانونية تحفظ الاعتراف الدولي بحق العودة، وتبقي القضية الفلسطينية حية على طاولة المجتمع الدولي.
إن تطبيق الهوية الجامعة بصيغة تُسقط صفة “لاجئ” أو “نازح” قد يُفهم على أنه تنازل عن هذا الملف وتحويله من قضية سياسية-قانونية دولية إلى شأن إداري داخلي، ما يفتح الباب أمام مشاريع التوطين و”الوطن البديل” التي طالما حذر منها الأردن ورفضها.
البعد القانوني
الصفة القانونية للاجئ أو النازح ليست تسمية شكلية، بل هي مركز قانوني يحميه القانون الدولي ويتيح لحامله المطالبة بحقوقه أمام الأمم المتحدة.
إسقاط هذه الصفة تحت أي مسمى، يعني عمليًا فقدان المظلة القانونية الدولية، وإضعاف القدرة على المطالبة المستقبلية بحق العودة، وهو ما قد تستغله أطراف دولية لإغلاق هذا الملف نهائيًا وتحويله إلى مسألة سيادية أردنية بحتة.
البعد الاجتماعي
الأردن يتمتع بنسيج اجتماعي متنوع لكنه متماسك، تشكل عبر عقود من التعايش بين مكوناته المختلفة. أي تعديل جذري في البنية القانونية والسياسية لهذا التنوع، إذا تم دون توافق وطني، قد يثير حساسيات داخلية ويؤثر على الثقة المتبادلة بين المكونات.
الهويّة الجامعة، إذا طُرحت دون إطار وطني واضح وضمانات لحماية الحقوق التاريخية، قد تُفهم على أنها دمج قسري لملفات سياسية خارجية في الشأن الداخلي، وهو ما قد يخلق حالة من الانقسام بدل الوحدة.
الموقف الأردني الثابت
لطالما أعلن الأردن، بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، موقفه الرافض للوطن البديل أو أي ترتيبات تنتقص من حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة على أرضهم وعاصمتها القدس الشرقية.
أي مشروع وطني داخلي، بما فيه الهوية الجامعة، يجب أن يتماشى مع هذه الثوابت ويحافظ على الحقوق التاريخية والقانونية للفلسطينيين، وألا يقدم ثغرات يمكن استغلالها سياسيًا لإعادة رسم خريطة المنطقة على حساب الأردن.
رسالة تحذير وطنية
إن مستقبل الأردن وأمنه القومي يرتبطان بمدى وعيه في إدارة الملفات المصيرية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. أي خطوة تمس الوضع القانوني للاجئين أو النازحين، حتى لو جاءت تحت شعارات وطنية، قد تفتح الباب أمام ضغوط لتصفية حق العودة وتمرير مشاريع التوطين.
الهوية الجامعة، إذا لم تُصَغ ضمن استراتيجية واضحة تحمي الحقوق وتحصّن الموقف الأردني، قد تتحول من أداة للوحدة إلى ثغرة تهدد مستقبل الوطن.
الدفاع عن الثوابت الوطنية ليس خيارًا، بل التزام تاريخي وأخلاقي، وعلى الدولة والمجتمع أن يضعا هذه الحقيقة في قلب أي مشروع إصلاحي أو وطني، اليوم وغدًا.





