صدى الشعب – قطع أستاذ القانون الدستوري وعميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة، الأستاذ الدكتور ليث كمال نصراوين، الشك باليقين و بالدليل الدستوري، منهياً الجدل في حوارية (لماذا لم يشاور رئيس الوزراء النواب قبل التعديل الحكومي الأول على حكومته ، فما هي دستوريته و هل هو ملزم بإخبارهم و هل خالف حسان العُرف ولم يسبق لحكومات أن حذت حذوه .. و هل يتحمل النواب و مجلسهم جزءً من هذه المسؤولية، حيث أن هيبة المجلس هي من تفرض نفسها على الحكومات؟ و تالياً ما أشاره له نصراوين بالتفصيل عبر مقالاً حمل عنوان: “تعديل وزاري دون مشاورة النواب “:
أثار التعديل الوزاري الأخير الذي أجراه رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان قبل أيام نقاشاً واسعاً في الأوساط السياسية والبرلمانية، نظراً لإجرائه دون مشاورة أعضاء مجلس النواب.
فقد اعتبره البعض قراراً حكومياً محضاً وممارسة دستورية ثابتة قام بها العديد من رؤساء الوزراء سابقاً، في حين رآه آخرون تجاهلاً لدور النواب المنتخبين وتقليصاً لمبدأ الشراكة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
ويبقى التساؤل الأهم: هل يفرض الدستور على رئيس الوزراء التشاور مع مجلس النواب عند تشكيل الحكومة لأول مرة أو عند تعديلها؟ وهل يشكّل تجاوز هذا التشاور مخالفةً لأحكام الدستور عند تغيير بعض أعضاء الفريق الوزاري؟
إن الإجابة على هذا التساؤل تختلف تبعاً للمنظور الذي يُحكَم من خلاله على هذا الموضوع.
فمن ناحية دستورية، لم يخالف رئيس الوزراء أحكام الدستور بل التزم بنصوصه التزاماً كاملاً، فقد رسم المشرّع الدستوري طريقاً واضحاً لتشكيل الحكومات في الأردن وتعديلها وإنهاء وجودها، ذلك في المادة (35) من الدستور التي تنص على أن الملك هو الذي يُعيّن رئيس الوزراء ويقيله ويقبل استقالته، ويُعيّن الوزراء ويقيلهم ويقبل استقالتهم بناءً على تنسيب رئيس الوزراء.
بناءً عليه، فإن الدستور الأردني لم يُلزم رئيس الوزراء بالتشاور مع مجلس النواب قبل إجراء أي تعديل وزاري، وترك الأمر لتقديره السياسي في التنسيب للملك بتجديد الثقة ببعض أعضاء فريقه الوزاري أو الإطاحة بآخرين واستبدالهم بوزراء جدد.
كما كرّس المشرّع الدستوري لمجلس الوزراء الولاية العامة في إدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية في المادة (45/1) من الدستور، معتبراً أن الوزير مسؤول عن إدارة جميع الشؤون المتعلقة بوزارته، وأن عليه عرض أي مسألة خارجة عن اختصاصه على رئيس الوزراء، وذلك عملاً بأحكام المادة (47) من الدستور.
بهذا يكون المشرّع الدستوري قد جعل رئيس الوزراء المرجعية العُليا للوزراء في الفصل في المسائل التي تخرج عن اختصاصهم، وله بهذه السلطة الدستورية العُليا الحكم على مدى كفاءة وزرائه في متابعة مهامهم وأعمالهم، فإذا تبيّن له أن أحدهم أو بعضهم قصّر في أداء مسؤولياته، يرفع تنسيبًا للملك بقبول استقالته وتعيين بديل عنه.
بهذا المنظور الدستوري، فإن إجراء التعديل الوزاري اختصاص حصري للسلطة التنفيذية، دون أي شرط يتعلق بمشاورة مجلس النواب أو الحصول على رضاه. فالمشرّع الدستوري لم يُحمّل رئيس الوزراء أي التزام قاوني بالتشاور مع السلطة التشريعية بشأن التعديل الوزاري، وبذلك فإن ما يُثار حول “تجاهل النواب” في التغيير الأخير يبقى أقوالاً بلا سند دستوري.
أما الأصوات النيابية التي تسعى إلى فرض وصاية برلمانية على الفريق الوزاري من خلال التمسك بحق مجلس النواب في طرح الثقة بالوزارة أو بفريقها الجديد، فإن الرقابة السياسية التي منحها المشرّع الدستوري لمجلس الأمة بشقّيه الأعيان والنواب يجب أن يقتصر مداها على ما يصدر عن الحكومة مجتمعة أو عن الوزراء فيها من أعمال وتصرفات تتعلق بإدارة الدولة.
فـالمادة (51) من الدستور تنص صراحة على أن “رئيس الوزراء والوزراء مسؤولون أمام مجلس النواب مسؤولية مشتركة عن السياسة العامة للدولة، وكل وزير مسؤول أمام مجلس النواب عن أعمال وزارته”. ومن ثم، لا يُعقل أن يمتد نطاق المسؤولية الوزارية السياسية — سواء الفردية أو الجماعية — ليشمل حجب الثقة عن الحكومة أو أحد الوزراء بسبب قيام رئيسها بمراجعة وتقييم أداء فريقه الوزاري، أو بسبب قبول شخص ما عرضًا للانضمام إلى عضوية السلطة التنفيذية.
ومن منظور سياسي، فإن الخلط بين ما هو “أخلاقي سياسياً” وما هو “مُلزم دستورياً” يزيد من سوء الفهم العام، فبينما قد يختار رئيس الوزراء التشاور مع الكتل النيابية من باب الحكمة السياسية لتجنب أي توتر في العلاقة بين السلطتين، فإن غياب هذا التشاور لا يعني وجود خلل دستوري، فلكل رئيس وزراء أن يقدّر، وفق الظروف المحيطة بعلاقته بالمجلس، إن كان من المناسب فتح هذا الباب أم لا، وذلك حفاظاً على علاقات مستقرة ودافئة.
إن التشاور السياسي قد يكون أداة فاعلة لخلق الانسجام بين الحكومة ومجلس النواب إذا برزت الحاجة إليه، لكن بخلاف ذلك فإن الحديث عن “تهميش نيابي” يبدو تجنياً على رئيس الوزراء، الذي لم يخالف الدستور في تعديل حكومته، فلا يجوز تحميل النص الدستوري أكثر مما يحتمل، ولا تحويل ممارسات سابقة كانت لها ظروفها إلى التزامات دستورية وقانونية.
وأخيراً، فإن أي تجاهل سياسي من قبل رئيس الوزراء لمجلس النواب عند تعديل حكومته يتحمل المجلس النيابي مسؤوليته؛ إذ أظهر ضعفاً غير مبرر أمام الحكومة، وتغاضى عن فرض سطوته النيابية على الرئيس والوزراء، الذين شعروا بالأمان السياسي لاعتقادهم بأن النواب غير قادرين أو غير جادين في الرقابة عليهم، مما شجّع الرئيس على تجاوزهم سياسياً، وإن لم يتجاوز القواعد ذات الصلة دستورياً.






