البطوش لـ (صدى الشعب): تداخل العمل والدراسة لا يستنزفان الوقت فقط بل يُنهكان النفس أيضاً
صدى الشعب -أسيـل جمـال الطـراونـة
قالت حنين البطوش استشارية نفسية واسرية وتربوية إن الحياة الجامعية ليست واحدة للجميع فهناك فئة من الطلاب تخوض معركتين متزامنتين الأولى معركة التحصيل العلمي، والثانية معركة الاستقلال المالي، هؤلاء الطلاب العاملون يواجهون ضغوطًا نفسية مركبة تفوق ما يعيشه أقرانهم غير العاملين، إذ تبدأ معاناتهم من ضغط الوقت والإرهاق المزمن، حيث تتداخل ساعات الدراسة مع متطلبات الوظيفة، ليجد الطالب نفسه محرومًا من أبسط حقوقه النوم الكافي، والراحة النفسية، وحتى لحظات التواصل الاجتماعي.
وأضافت البطوش في مقابلة لـ (صدى الشعب) أنه ومن جهة أخرى، يبرز التحدي المالي كظل ثقيل لا يفارقهم، حيث يضطر العديد منهم للعمل لتأمين أقساطهم الجامعية ومصاريفهم الشخصية، ما يزيد من توترهم وقلقهم على المستقبل.،وإلى جانب ذلك، يعيش هؤلاء صراعًا في الأدواربين كونهم طلابًا يتطلب منهم التركيز والانضباط الأكاديمي، وكونهم موظفين يُنتظر منهم الالتزام والكفاءة، ونتيجة لذلك، يشعرون أحيانًا بالتقصير في أحد الجانبين، أو كليهما
وأشارت إلى أن الطلاب العاملون يبتعدون تدريجيًا عن الحياة الاجتماعية بسبب ضيق الوقت، فتقل مشاركاتهم في النشاطات الجامعية وتضعف علاقاتهم، مما يولد شعورًا بالعزلة وفقدان الدعم. كما أن ضعف التركيز وتراجع الأداء الدراسي نتيجة الإرهاق، إلى جانب الضغط المزدوج لتحقيق التميز في الدراسة والعمل معًا، يجعلهم في حالة توتر دائم بين الرغبة في الإنجاز والخوف من الفشل، وهؤلاء الطلبة لا يحتاجون فقط إلى فهم من المجتمع، بل إلى دعم حقيقي، لأنهم لا يدرسون فقط بل يُكافحون.
وأشارت البطوش إلى أنه قد تنشأ أزمة هوية داخلية عندما يشعر الطالب بأنه لا ينتمي بالكامل لأي من البيئتين، ففي الجامعة، قد يشعر بأنه مختلف عن زملائه الذين يمتلكون وقتًا أطول للمشاركة في الأنشطة، بينما في بيئة العمل قد لا يُقدر جهده بالشكل الكافي، إذ يُنظر إليه كطالب أولًا وليس كموظف متفرغ، مما ينعكس على رضاه النفسي، هذا النقص في التقدير يمكن أن يؤدي إلى إحباط متزايد وضغط نفسي مضاعف.
وتابعت من المفارقات أن الانشغال الدائم الذي يميز حياة الطلاب العاملين قد يضعف شعورهم بالإنجاز الشخصي، حتى إذا حققوا نتائج جيدة على الصعيدين الأكاديمي والمهني، فالوقت المحدود والضغط المستمر لا يتركان مساحة للتفكير في الإنجازات أو الاستمتاع بها، وهكذا، يشعر الطالب أنه يركض من مهمة إلى أخرى دون توقف لالتقاط الأنفاس أو تقدير ما أنجزه، مما يقلل من تقديره لذاته وقيمته، ويجعله يرى أن جهوده غير مجدية على الرغم من النتائج الإيجابية.
كما تنصح البطوش للتغلب على هذه التحديات بأن يخصص الطلاب العاملون وقتًا للتفكير في إنجازاتهم، والبحث عن مصادر للدعم سواء من الزملاء أو الأصدقاء أو المرشدين، إلى جانب العمل على دمج جوانب هوياتهم المختلفة لتكوين صورة ذاتية متكاملة وقوية.
وأكدت البطوش أن التداخل المستمر بين العمل والدراسة لا يستنزف الوقت فقط، بل ينهك النفس أيضًا، ومع كل يوم إضافي من السعي خلف التوازن المفقود، ترتفع مستويات التوتر، ويتسلل القلق إلى تفاصيل الحياة اليومية، حتى يصبح الاسترخاء حلمًا مؤجلًا، ولا يتوقف الأمر عند ذلك، بل قد يتحول الضغط المزمن إلى إرهاق نفسي حاد (Burnout)، حيث يفقد الطالب شغفه، ويشعر باللامبالاة، وتقل ثقته بقدراته رغم كل جهوده.
أما النوم، فيصبح رفاهية نادرة، ما بين محاضرات صباحية، ودوامات مسائية، وساعات دراسة تمتد لما بعد منتصف الليل، فينعكس الحرمان من النوم على المزاج، والتركيز، وحتى الصحة الجسدية.
وفي السياق ذاته، تشير الإحصائيات الحديثة إلى أن 44% من الطلاب أبلغوا عن أعراض اكتئابية، بينما عانى 37% منهم من اضطرابات القلق، وصرّح 15% بأنهم فكّروا جديًا في الانتحار خلال العام الماضي، وهي أعلى نسبة يتم تسجيلها في تاريخ المسح الوطني لجمعية الصحة الجامعية الأمريكية لعام 2023.
كما تكشف الدراسات عن تباين واضح بين الطلاب العاملين وغير العاملين، إذ يسجل العاملون معدلات أعلى من التوتر والقلق، مع قلة في فرص الدعم النفسي، الأمر الذي يجعل كل ساعة عمل إضافية بمثابة خطوة نحو مستويات أعلى من الإجهاد والاكتئاب.
ولفتت إلى أن التأثير النفسي يمتد ليطال الصحة السلوكية والجسدية أيضًا. فقد كشفت الأبحاث أن التوفيق القسري بين الدوامات والدراسة يؤدي إلى توتر مزمن، أرق، نوبات تفكير مفرط، تقلبات مزاجية، وحتى مشاكل جسدية مثل ضيق التنفس والعدوانية.
وبينت بأن مواجهة هذه الضغوط تتطلب أكثر من مجرد الاعتراف بها، بل تستلزم إيجاد آليات دعم حقيقية تحافظ على السلامة النفسية للطلاب وتشعرهم بأنهم ليسوا وحدهم في هذا الطريق الشاق.
وشددت البطوش على أن الجمع بين العمل والدراسة هو إنجاز بحد ذاته، ولكنه قد يتحول إلى عبء إذا لم يتم التعامل معه بوعي وتنظيم، لذلك، قدمت مجموعة من النصائح العملية
منها تنظيم الوقت من خلال التحكم في اليوم قبل أن يتحكم بك، من خلال جدول واضح يوزع به الطالب وقته بين الدراسة، العمل، الراحة، والتواصل الاجتماعي.
ايضًا الاهتمام بالجسد من خلال النوم الجيد، التغذية المتوازنة، ممارسة الرياضة ولو لفترة قصيرة يوميًا، وتجنب المنبهات الزائدة.
والعناية بالصحة النفسيةعن طريق تخصيص وقت للأنشطة المفضلة، ممارسة التأمل والتنفس العميق عند التوتر، وطلب الدعم النفسي عند الحاجة.
بالاضافة إلى بناء شبكة دعم التواصل مع الأصدقاء والعائلة أو طلاب يمرون بتجارب مشابهة، إذ يخفف الدعم الاجتماعي من ثقل الضغوط
والمرونة مع الذات عن طريق تقبل أن الكمال غير ممكن دائمًا، والتواصل الصادق مع الأساتذة والمديرين لفتح أبواب التفاهم والدعم.






