صدى الشعب – كتب محمد علي الزعبي
تشهد المنطقة حالة من الغليان السياسي والأمني، تتجاوز التصعيدات الظاهرة إلى ما هو أعمق وأكثر خطورة. فالإقليم برمّته يقف اليوم على شفا حفرة من النار، وسط تحركات إسرائيلية ميدانية وعسكرية مريبة، مقترنة بتصريحات وتهديدات متصاعدة، لا يمكن قراءتها بمعزل عن مشاريع التهجير والتغيير الديموغرافي، خصوصًا في قطاع غزة.
التحركات العسكرية الأخيرة في جنوب غزة، واستهداف المخيمات بشكل وحشي، تؤشر على نيّة إسرائيلية لخلق واقع ميداني جديد يُفضي إلى تفريغ القطاع من سكانه. فالدعوات المتكررة التي تطلقها إسرائيل لإخلاء مناطق بأكملها، وخرائط الإخلاء التي توزعها عبر الطائرات أو الرسائل النصية، ليست سوى تمهيد لمخطط أكبر، يتمثل في إعادة إحياء مشروع “الترانسفير” بأساليب معاصرة تحت غطاء الحرب على “الإرهاب” أو “القضاء على حماس”.
لكن الواقع الميداني والسياسي لا يدعم هذا التوجه من دون ثمن إقليمي باهظ. فالمقاومة الفلسطينية، رغم الحصار والنزيف، ما تزال قادرة على الرد، فيما تتسع دائرة التوتر لتشمل جبهات أخرى، أبرزها جنوب لبنان، حيث تبادل القصف مع حزب الله بات شبه يومي، ما يضع إسرائيل أمام معادلة متعددة الأبعاد، يصعب التحكم بها إن اندلعت شرارة الحرب الشاملة.
وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل التحذيرات المتكررة من قادة عرب ودوليين بأن “المنطقة لن تتحمل حربًا جديدة”. لكن إسرائيل، كما يبدو، تراهن على الوقت والدعم الغربي، وتوظف الموقف الأميركي المتراخِ في ممارسة ضغوطها، ميدانيًا وسياسيًا، على الدول المجاورة لغزة، من أجل فتح ممرات “إنسانية” ظاهرها الرحمة وباطنها التهجير القسري.
التحليل الهادئ للمشهد يشير إلى أن إسرائيل لا تبحث فقط عن انتصار عسكري، بل عن إعادة تشكيل الجغرافيا والديموغرافيا الفلسطينية، مستغلة الفوضى الإقليمية والتراخي الدولي. وهو ما يفسر تهديداتها المستمرة بشن عمليات برية جديدة، وتلويحها بتوسيع نطاق العمليات نحو الشمال أو حتى الضفة الغربية.
فهل نحن أمام حرب جديدة تفتعلها إسرائيل لتبرير التهجير الجماعي من غزة؟
وهل سيتحول هذا الصراع إلى حرب إقليمية أوسع إذا اشتعلت أكثر من جبهة في وقت واحد؟
المؤشرات، للأسف، لا تطمئن. فحالة الترقب التي يعيشها الإقليم، والتصعيد الكلامي والعسكري، والزيارات الأمنية المتكررة بين تل أبيب وواشنطن، وما يُحاك خلف الكواليس، كلها تؤكد أن المنطقة مقبلة على مرحلة خطرة، إن لم تُلجم إسرائيل وتُوضع خطوط حمراء لجنونها السياسي والعسكري.






