الضم الإسرائيلي للضفة الغربية .. “الأردن بين تحديات السيادة والصمود الوطني”

صدى الشعب – كتبت المهندسة أماني الخلايلة

تمر المنطقة اليوم بمنعطف خطير مع تزايد التصعيد الإسرائيلي وسياستها المتطرفة بعد إقرار الكنيست بضم الضفة الغربية بما فيها منطقة ج مؤخراً ضمن مسار Yinon Plan كمشروع توسعي متجذر رسمه عوديد ينون عام 1982 (تم نشره في مجلة كيفونيم عوديد ينون عام 1982 بعنوان “استراتيجية لإسرائيل في الثمانينيات” الصادرة عن المنظمة الصهيونية العالمية). يهدف لإعادة تشكيل المنطقة عبر تفتيت دول الطوق إلى كيانات ضعيفة استناداً على هندسة الاقليات كمعطي جوهري وأساسي في ما بعد سايكس بيكو وهو ما تجلى لاحقاً في العراق وسوريا ولبنان، إلا أنّ اللافت في الأمر، أن الخطة احتوت دوماً على بُعد ديمغرافي وسياسي خاص بالأردن في العقلية الإسرائيلية وكهدف استراتيجي بطيء الحركة، ومع تركيز الأضواء على الضفة الغربية تتنامى هناك مؤشرات خطيرة على أن الأردن قد يكون الهدف التالي في المشروع الإسرائيلي الأوسع.

القرار الأخير للكنيست الإسرائيلي جاء مدعوماً بتحالف نتنياهو واليمين المتطرف مع أحزاب كالصهيونية الدينية وعوتسما يهوديت والذي لا يخفي طموحاته في أرض إسرائيل الكبرى التي تشمل جغرافيا الأردن التاريخية بل إن هذا المخطّط يتجاوز حتى التصوّرات الدينية التقليدية وإنما يهدف اليوم لبناء إسرائيل كمركز قوّة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، من حيث القدرات العملياتية والنفوذ السياسي.

ليس هذا التوجه جديداً والدلائل التاريخية كثيرة، فوثائق معهد أريج الإسرائيلي عن دراسات مستمرة حول الأردن كوطن بديل للقضية الفلسطينية ارتكازاً على التركيبة الديموغرافية والحدود المفتوحة على حد زعمهم بين الضفة الغربية والمملكة الأردنية الهاشمية، وكما وثق الأرشيف الإسرائيلي اجتماعات سرية عقب حرب 1967 ناقشت إعادة تشكيل الأردن كحل استراتيجي.

تتجدد المطامع الإسرائيلية اليوم من خلال قرار الكنيست حيث يتجاوز عدد حملة الجنسية الأردنية من أصل فلسطيني في الضفة الغربية نصف مليون نسمة، وهم مهددون بالتهجير بعد قرار الضم. إلى جانب القرارات السياسية، تعتمد إسرائيل أيضاً على استراتيجيات اقتصادية طويلة الأمد لتعزيز نفوذها في الأردن، مما يشكل تهديداً موازياً عبر أدوات مُغلفة كالتغلغل الاقتصادي في المناطق الحدودية، فقد يواجه مزارع أردني في وادي الأردن ضغوطاً لتأجير أرضه لشركة واجهة، مما يهدد بتحويل الأراضي الزراعية إلى مناطق نفوذ اقتصادي إسرائيلي، وتعتمد إسرائيل على استراتيجيات اقتصادية لتعزيز نفوذها في الأردن عبر محاولات شراء الأراضي بشكل غير مباشر، وإنشاء مناطق صناعية مشتركة على الحدود تُروَّج لها كمشاريع تنموية، قد تتحول مستقبلاً إلى كانتونات اقتصادية ذاتية الحكم، كما تسعى لاستغلال الأزمات المعيشية والانتماءات الحزبية لخلق ولاءات موازية مما يهدد السيادة الأردنية.

يواجه الأردن خطراً وجودياً يتطلب مواجهة حقيقية، لكنه يصطدم بثلاثة تحديات رئيسية:

1. إتفاقية وادي عربة 1994 والتي تفرض قيوداً على خيارات المواجهة المباشرة.
3. عمق العلاقة مع الجالية الفلسطينية يشكل عاملاً مستهدفاً في أي محاولة لزعزعة الاستقرار.
5. الموقع الجيوسياسي الذي يجعل المملكة الأردنية ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية. 

يشهد التاريخ على قدرة الأردن على تطوير مناعة ضد هذه المشاريع المارقة في وجود النظام السياسي الهاشمي، فرغم التحديات إلا أنه أظهر مرونة عالية في إدارة الأزمات.

كما ساهمت تحالفاته الاستراتيجية مع القوى الدولية والإقليمية في تشكيل حاجز قوي ضد محاولات الاختراق، والأهم أن المجتمع الأردني اليوم بتنوعه وبكافة أطيافه ومنابته أظهر تلاحماً حول قيادته الهاشمية المظفرة قل نظيرها في لحظات الأزمات المصيرية. 

التهديد الإسرائيلي للأردن هو جزء من استراتيجية توسعية طويلة الأمد تتبنى أساليب أكثر تعقيداً اليوم، فالمواجهة الحقيقية تتطلب وعياً شعبياً راسخاً ودبلوماسية استباقية ذكية وإصلاحاً داخلياً يعزز التماسك المجتمعي،  فالمملكة الأردنية الهاشمية ليست مجرد حدودٍ على الخريطة، بل هي ركيزة أساسية في مواجهة أطماع التوسع الإسرائيلي.