صدى الشب – كتب محمد العزام
حين تتحول النظافة من مهمة روتينية إلى ثقافة عامة وعندما تُبذل الجهود بروح المسؤولية لا من باب الواجب يصبح الحفاظ على البيئة ترجمة حقيقية لوعي المجتمع ومرآة صادقة لتقدمه. هذا تمامًا ما تعكسه بلدية بني عبيد، التي لا تكتفي بتقديم خدماتها البيئية بل تبادر بخطى واثقة نحو ترسيخ مفهوم الشراكة المجتمعية، وتحفيز المواطن ليكون جزءًا أصيلًا من المعادلة لا مجرد متلقٍ للخدمة.
في مشهد يتكرر بتكامل لافت تواصل كوادر بلدية بني عبيد تنفيذ حملات بيئية موسعة، تشمل تنظيف الأحياء، وتنظيم حملات تشجير، وصيانة شبكات تصريف المياه، ومراقبة السلوكيات التي قد تضر بالنظام البيئي العام. وتُبدي البلدية حرصًا واضحًا على تجاوز المألوف، من خلال نقل العمل البيئي من كونه مسؤولية إدارية إلى كونه قضية مجتمعية تستدعي استنفار وعي الناس، وتكثيف حضورهم في المشهد اليومي للحفاظ على مدينتهم.
ما يميز هذه الجهود أنها لا تأتي بردة فعل أو استجابة وقتية، بل تنبع من رؤية استراتيجية تنظر إلى البيئة كأولوية لا تقل أهمية عن باقي الملفات الخدمية والتنموية. فبلدية بني عبيد وضعت البيئة في صلب اهتمامها، وقرنت ذلك بتنفيذ فعلي، وبقنوات تواصل منفتحة مع المواطنين، وبتوجيه مستمر للطاقات نحو العمل الميداني الفعال.
وفي قلب هذه الرؤية، يبرز دور المواطن كشريك لا غنى عنه. إذ تؤمن البلدية أن البيئة لا تُصان بقرار إداري، بل بسلوك يومي واعٍ، يبدأ من البيت، ويمتد إلى الشارع والمدرسة وأماكن العمل. فالمواطن هو من يحدد من خلال أفعاله اليومية مستوى النظافة، وهو من يساهم في تقليل التلوث إن التزم بفرز النفايات، وامتنع عن رمي المخلفات، وشارك في الحملات البيئية، وحرص على الإبلاغ عن أي تجاوزات بيئية.
هذه الثقافة التي بدأت تتكرس تدريجيًا في بني عبيد ليست وليدة المصادفة، بل هي ثمرة لإصرار البلدية على إحداث تغيير حقيقي، ولقناعتها بأن المجتمعات المتحضرة لا تُقاس بكمية المشاريع بقدر ما تُقاس بدرجة التزام سكانها تجاه الفضاء العام. والمفارقة الجميلة هنا أن المواطن حين يرى بلديته حاضرة ومتفانية، يبادر من تلقاء نفسه إلى أن يكون جزءًا من الحل، لا عبئًا إضافيًا على كاهل المؤسسة.
ومع كل حملة تنفذها البلدية، تبدأ ملامح المدينة بالتغير الإيجابي، وتظهر التحولات جلية في نظافة الشوارع، وتراجع مظاهر التلوث، وتزايد المساحات الخضراء، وتنامي الوعي البيئي بين الأهالي، ما يجعل من المدينة نموذجًا يُحتذى في التفاعل بين العمل البلدي والمجتمعي.
اليوم، تقف بلدية بني عبيد أمام تجربة ناضجة في العمل البيئي، تثبت من خلالها أن الإدارة ليست فقط في رسم السياسات، بل في ملامسة الأرض، والاستماع للناس، وبناء علاقة قائمة على الثقة والتعاون. هذه التجربة تُجسد معاني الانتماء الحقيقي، وتدعو بإيجابية كل مواطن ليكون فاعلًا في صياغة بيئة تحاكي تطلعاته.
وفي النهاية، يبقى السؤال مفتوحًا أمام كل فرد في المجتمع: ماذا قدمت لبيئتك؟ فالإجابة لا تحتاج إلى مشاريع كبرى، بل تبدأ من تصرف صغير، ومن احترام بسيط للمكان، ومن شعور داخلي بأن هذا الحي، وهذه المدينة، هي صورتنا أمام أنفسنا وأمام الأجيال القادمة.
فلتكن مساهمتنا صادقة، ودورنا مستمرًا، دعمًا لبلدية أثبتت أن الانتماء فعل، والعمل البيئي التزام، والنتائج لا تأتي إلا حين تتحد الإرادة مع الوعي
