صدى الشعب – كتب عمر ضمرة
في زمن تتهاوى فيه المواقف وتتآكل فيه المبادئ، تبقى المقاومة هي العنوان الصريح للكرامة، والحد الفاصل بين النهوض والانهيار. نحن مع المقاومة قلبًا وقالبًا، لأننا ندرك أن المقاومة لم تكن يومًا ترفًا سياسيًا أو خيارًا مؤقتًا، بل كانت ولا تزال ضرورة وجودية تفرضها كرامتنا، وواقعنا العربي الممزق، وصمتنا العربي المخجل.
منذ أعلن الكيان الصهيوني عزمه على إقامة ما يسمى بـ”الدولة اليهودية”، لم يكن ذلك إعلانًا اعتباطيًا أو شعارًا سياسيا فارغًا، بل تمهيدًا لمشروع تهجير قسري للفلسطينيين من أرضهم التاريخية، قبيل السابع من أكتوبر.
اليوم. هذا الإعلان ليس إلا حلقة جديدة من مخطط قديم – جديد عنوانه “الشرق الأوسط الجديد”، الذي بشرت به كونداليزا رايس في العام 2006، حيث تراد منطقتنا مقسمة، شعوبها ممزقة، وكرامتها مستباحة.
لكن، كما في كل مراحل التاريخ، برزت المقاومة المسلحة كحائط الصد الأول أمام هذا المخطط الاستعماري.
من غزة إلى صنعاء، من لبنان إلى العراق، تتكاثف جبهات الرفض والصمود في وجه مشروع تفتيت العالم العربي، الذي يسعى اليوم لتجزئة المجزأ وتقسيم المقسم.
ولأن المقاومة فضحت المشروع، كانت ولا تزال الهدف الأول للقصف والتجويع والحصار.
فقد شهدنا كيف استهدفت اليمن، وتم نقل قاذفات “بي-2” الأمريكية مؤخرًا لقاعدة بريطانية، القادرة على حمل 18 طناً من القنابل، بعضها مخصص لاختراق المفاعلات النووية الإيرانية، وأخرى للتهديد بضرب الصواريخ الباليستية المصرية في سيناء، وكل ذلك ضمن خطة محكمة لفرض التهجير من الضفة وغزة نحو الأردن ومصر.
نشاهد أمريكا تجري مناورات عسكرية تشارك فيها دول عربية، من بينها قطر والامارات، في الوقت الذي تستبيح فيه تركيا الشمال السوري، وتتقاسم إسرائيل جنوبه.
لم تعد السيادة الوطنية إلا شعارًا باهتًا في مؤتمرات متعبة، بينما العدو الصهيوني يسرح ويمرح في الأجواء السورية، ويقصف ما يشاء كيفما يشاء.
العيب ليس في المقاومة، بل في خذلانها… والعار يلاحق من تخلى عنها، من المحيط إلى الخليج، أولئك الذين اكتفوا بالتصريحات الباردة والبيانات العقيمة، بينما غزة تحترق، وأطفالها يذبحون بلا رحمة تحت نيران الحقد والغدر.
وكأن الفلسطينيين كانوا ينعمون في فردوس الاحتلال، بلا إهانات ولا إذلال، بلا اعتقالات ولا اغتيالات، وكأن مخططات التهجير والتشريد لم تكن تحاك في الخفاء والعلن! أين ضمير الأمة؟ أين نخوتها؟ أما آن لهذا الصمت أن يُكسر؟وها هي الحملة الإعلامية الصهيونية تدخل مرحلة جديدة، تروج عبر مواقع التواصل، وصفحات مزيفة مثل “اللجنة اليهودية الأمريكية” و”ريلز” مُضللة، تحاول فيها شيطنة المقاومة الفلسطينية، وإلقاء اللوم على الفصائل في دمار غزة.
لكن الحقيقة لا تطمس مهما علت أصوات التضليل، فالمجرم واضح، والجلاد معروف.
المثير للغثيان أن هناك من بيننا، ممن يفترض بهم الوعي والإدراك، انساقوا خلف هذه الروايات كأنهم دمى تحركها خيوط الغرب المتصهين وآلته الإعلامية الجهنمية.
الدمار في غزة ليس نتيجة المقاومة، بل نتيجة الاحتلال، وإلا فكيف نفسر القتل والاعتقالات والهدم والتهجير في الضفة الغربية التي لم تشارك فيها ما يسمى بسلطة أوسلو، لا في السابع من أكتوبر ولا قبله ولا بعده؟
الحقيقة أوضح من الشمس، لكنها تتطلب ضميرًا صاحيًا لا يساوم، وعقلًا يقظًا لا ينخدع بدموع التماسيح.
ومن يتذرع بالشفقة على غزة ليحمل حماس والمقاومة مسؤولية ما يجري، ويطالبها بتسليم الأسرى دون شروط، فهو إما واهم أو شريك في المؤامرة.
إن هذا الصراع مع الكيان الصهيوني ليس صراع حدود… إنه صراع وجود. عدونا بات يستهدف حتى الحوامل، ويمنع حليب الأطفال، ويقصف المدارس والمستشفيات، في مشهد وحشي لا يمكن تفسيره إلا بأنه تطهير عرقي مدروس، وإبادة جماعية علنية، لخدمة حلم زائف بدولة يهودية تجمع حثالة التاريخ ونفايات أوروبا.
علينا أن نصحو… أن ننتبه لحجم الهجمة التي تشن ضد وعينا قبل أجسادنا، وضد حقيقتنا قبل أرضنا. الإعلام المأجور لن يرحم، ولن يتردد في قلب الحقائق.
والمطلوب اليوم أن نكون على قدر الوعي والخطر، وأن نجدد العهد مع المقاومة، لأنها آخر ما تبقى من شرف هذه الأمة.