صدى الشعب – سليمان أبو خرمة
في قلب المشاريع الزراعية الأردنية، تبرز قصة نجاح لافتة تجمع بين الشغف والابتكار، المهندسة الزراعية منى صياح، بخبرة تمتد لأكثر من 15 عامًا في إدارة المشاريع الزراعية، لم تكن مجرد مهندسة، بل ناشطة بيئية تحمل على عاتقها مسؤولية التغيير، كرئيسة لجمعية بيئية تهتم بالزراعة المستدامة والمناخ، وجدت منى في زراعة الزعفران فرصة ذهبية لتقديم حل مستدام لمشكلة ندرة المياه، خاصة أن هذا المحصول يُعرف بقدرته على التكيف مع المناخ ويتطلب ريًا تكميليًا محدودًا.
من هدية إلى مشروع طموح
بدأت قصة منى مع الزعفران عام 2020 عندما تلقت هدية غير متوقعة من الشركة التي كانت تعمل بها مجموعة من أبصال الزعفران الإيرانية.
ولم تكن لديها خبرة سابقة في هذا المجال، حيث أن الأردن ليس من الدول المعروفة بزراعة الزعفران، ومع ذلك، زرعت الأبصال في حديقتها الخاصة، لتكتشف بعد فترة قصيرة أن كل بصلة يمكن أن تتكاثر، منتجة ما بين 7 إلى 14 بصلة جديدة.
وتحول الفضول إلى تجربة فعلية عندما قررت توسيع نطاق زراعتها، فبدأت بمساحة 60 مترًا مربعًا، زرعت فيها 500 بصلة، إلا أن الإنتاج كان محدودًا، حيث حصلت على 15 غرامًا فقط من المياسم، رغم أن عدد الأبصال قد ازداد ليصل إلى 2000 بصلة.
وأدركت أن الإنتاج التجاري يتطلب توسعًا أكبر، فزادت المساحة إلى 3 دونمات، إلا أن الكمية لم تصل إلى المستوى المطلوب للتصدير، وإذ أن إنتاج 1 كيلوغرام من الزعفران يحتاج إلى ما يقارب 10 دونمات من الأراضي المزروعة، مما دفعها للبحث عن حلول أكثر كفاءة.
من الزراعة التقليدية إلى الزراعة الهوائية
وبفضل خبرتها السابقة في المشاريع الزراعية، وخاصة الزراعة المائية، قررت منى تجربة زراعة الزعفران باستخدام الأنابيب المائية.
ولكن التجربة لم تنجح، حيث تعرضت الأبصال للتعفن بسبب نقص الأكسجين، مما دفعها للبحث عن حلول جديدة، وهنا جاءت الفكرة الزراعة الهوائية، وهي تقنية حديثة تستخدم لزراعة النباتات في الفضاء.
وفي البداية، جربت هذه التقنية داخل غرف مغلقة، لكنها واجهت مشاكل في الإضاءة، وبعد العديد من التجارب، توصلت إلى أن نجاح زراعة الزعفران بالزراعة الهوائية يعتمد على الإضاءة، والرطوبة، ودرجة الحرارة المناسبة.
إنتاجية مضاعفة 200 مرة
وعندما طبقت الزراعة الهوائية بشكل صحيح، كانت المفاجأة أن إنتاجية الزعفران تضاعفت 200 مرة مقارنة بالزراعة التقليدية إذ أن دورة حياة الزهرة أصبحت أسرع، حيث تنتج البصلة زهرة جديدة كل يومين إلى ثلاثة أيام بدلًا من أسبوعين، كما أن المياسم أطول، والزهور أكبر حجمًا، ونسبة الزيت العطري ورائحة الزعفران أكثر قوة.
وتستخدم منى حاليًا 26 حاضنة زراعية هوائية، تعتمد على الضوء الزراعي المختص، والذي يولد الحرارة اللازمة لنمو النبات
وتعمل هذه الحاضنات بنظام إنترنت الأشياء (IoT)، حيث يتم ضبط عدد ساعات الإضاءة، ودرجات الحرارة، والرطوبة بشكل أوتوماتيكي، مع خطط مستقبلية لإضافة الذكاء الاصطناعي لضبط الظروف البيئية دون تدخل بشري.
رؤية مستقبلية
وتحلم منى بأن يصبح الزعفران الأردني المؤابي من المنتجات الرائدة عالميًا، ليكون الأردن دولة منتجة ومصدرة للزعفران، جنبًا إلى جنب مع إيران والهند.
وتخطط لجعل الزعفران جزءًا من استراتيجية وزارة الزراعة الأردنية خلال السنوات العشر القادمة، مؤكدة أن هذا المحصول ليس فقط فرصة اقتصادية للأفراد، بل يمكنه أن يغير اقتصاد الدولة بالكامل.
جوائز وتقدير للمشروع الرائد
لم يمر ابتكار منى دون تقدير، فقد حصل مشروعها على ثلاث جوائز مرموقة، منها، جائزة “ابني مهارتك” – حيث فاز مشروعها بين 200 مشروع مرشح، وتم اختياره ضمن أفضل 19 مشروعًا، والجائزة الخضراء للمشاريع الابتكارية – بالتعاون مع جمعية البحث العلمي والريادة والإبداع وصندوق الإنماء العربي.
من الشغف إلى الاستقلال المالي
وتؤكد منى خلال حديثها لـ”صدى الشعب” أن مشروعها بدأ كشغف وهواية، لكنه تطور ليصبح مصدر دخل مستدام، رغم أن تكلفة البدء بالزراعة الهوائية عالية، إلا أن العائد سريع، حيث يمكن استعادة تكاليف الاستثمار من السنة الأولى.
واليوم، تقف منى على أعتاب تحقيق الاستقلال المالي من مشروعها، ساعية إلى التوسع محليًا وعالميًا، لتضع الأردن رسميًا على خارطة إنتاج وتصدير الزعفران.