صدى الشعب – كتب داود عمر داود
يعود الفضل في تحرر سوريا من نظام القمع، وانهيار الحكم، وهروب الطاغية بشار الأسد، خلال أيام معدودة، الى مجموعة عوامل موضوعية، أهمها الدور التركي الذي كان حاسماً في هذه المعركة، التي خلصت المنطقة بأكملها من نظامٍ كان عصياً على التغيير.
فكما كان لتركيا دورٌ في التخطيط والتنفيذ سيكون لها دورٌ في المراحل التالية من إعادة بناء الدولة، وإعادة إعمار البلاد، وجعل ارتباط أنقرة مع دمشق ارتباطاً عضوياً طويل الأمد، من خلال اتفاقيات سيجري توقيعها قريباً، تشمل الأصعدة السياسية، والاقتصادية، والعسكرية.
الاتفاقيات التركية على غرار ما جرى مع ليبيا وأذربيجان والصومال:
ومن بين الاتفاقيات إبرام إتفاقية لإقامة قاعدة جوية عسكرية تركية في دمشق، وقاعدة بحرية في ميناء طرطوس، واتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وسوريا.
هذا كله على غرار الاتفاقيات التركية مع كل من ليبيا، وأذربيجان، والصومال. ففي ليبيا أدى الدور التركي الداعم لحكومة طرابلس، إلى نوع من التوازن مع الشرق الليبي، قاد إلى إستقرار الوضع خلال السنوات الماضية. أما بموجب اتفاقياتها مع أذربيجان، فقد دعمتها تركيا في الحرب مع أرمينيا لاستعادة إقليم كاراباخ. كما تلعب تركيا دوراً إيجابياً مؤثراً في استقرار القرن الإفريقي بموجب اتفاقياتها مع الصومال.
تركيا ستحمي سوريا داخلياً وخارجياً:
أما في سوريا، فسيكون الدور التركي أساسياً في استقرار البلاد وحمايتها من الأخطار الداخلية ومن الأطماع الخارجية، سواءاً كانت من جانب إيران، التي شعرت بالاهانة نتيجة هزيمتها النكراء، والتي تهدد بالعودة الى سوريا خلال عام، أو كان خطر الأطماع الإسرائيلية، التي استولت على الأراضي السورية في هضبة الجولان، ووصلت قواتها إلى مشارف دمشق.
وقد أدت الغارات الجوية الإسرائيلية إلى تدمير 80% من مقدرات الجيش السوري، بموجب الخرائط التي قيل إن بشار الأسد سلمها للاسرائيليين، قبيل هروبه من دمشق. وطال التدمير مواقع للجيش، ومخازن ومستودعات الاسلحة، والمعدات. كما أُشيع أن صفقة بشار مع إسرائيل كانت مقابل “ثمن بخس” وهو عدم تعرض إسرائيل لطائراته أثناء فراره إلى روسيا.
تحذير تركيا لإسرائيل بعدم الاعتداء على سوريا:
وقد بدأت تريكا تمارس دور حماية سوريا. فقد وجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رسالة سياسية قوية إلى إسرائيل مفادها أن من وصل إلى دمشق العصية يمكن أن يصل إلى القدس التي تبدو عصيةً.
فخلال خطاب له، في “ماردين”، نهض شبابٌ أتراك قاطعوا خطاب الرئيس أردوغان وهتفوا: “خذنا إلى القدس يا رئيس”. فرد عليهم بأن ردد باللغة العربية المثل العربي القائل “مَنْ صَبَرَ ظَفِرَ”. ومعنى المثل أن تصبر قليلا حتى ينفذ صبرُ عدوك. وهناك تكملة للمثل تقول: “من تأنى نال ما تمنى”.
وسواءٌ كان المشهد مرتباً سلفاً، أم عفوياً، فإن أردوغان، الذي يمر حالياً بنشوة انتصاره في سوريا،
أراد أن يمرر رسالة قوية إلى نتنياهو، والنخبة الصهيونية الحاكمة في فلسطين، من خلال مثل عربي مكون من 3 كلمات فقط، أن طغيانهم ربما يرميهم خارج فلسطين، تماماً كما رمى الطغيان بشار خارج سوريا، إلى غير رجعة.
تركيا حاولت المصالحة بين بشار والشعب:
وكان أردوغان قد حاول أن يتدخل للتوصل إلى حل سلمي بين بشار والشعب السوري. لكنه رفض، وطغى وتجبر واستكبر. وفي ذات السياق، أمضى الرئيس التركي سنة كاملة، منذ اندلاع الحرب في غزة، وهو يرسل الرسائل السياسية إلى نتنياهو، زميل بشار، لكنه هو الأخر أصم أُذنيه وطغى وتجبر واستكبر.
وأراد أردوغان أن يقول للاسرائيلي أنه إذا كانت تركيا قد حققت ما كان يبدو مستحيلاً، وهو تحرير سوريا من النظام العلوي المجرم، فإنها تستطيع أن تحقق ما يبدو مستحيلاً الآن، وهو تحرير فلسطين من النظام الصهيوني المجرم.
بهشتي شريك أردوغان يحذر من الاعتداء على سوريا:
بالاضافة الى رسالة أردوغان القوية الى العدو الإسرائيلي، فقد وجه “دولت بهشتي”، رئيس الحركة القومية وشريك أردوغان في الحكم، تهديداً الى إسرائيل قائلاً “من يضع عينيه على دمشق سيتلقى الصفعة العثمانية في تل أبيب والقدس”. وأضاف أن “تحرير الشام أول خطوة نحو تحرير القدس”.
وذكر في خطاب له ان “التاريخ يخبرنا أن المحطة الأولى للقدس هي دمشق. إذا كانت دمشق آمنة فإن القدس ستكون آمنة أيضاً في الوقت المناسب.”
واستحضر “دولت بهشتي” شيئاً من التاريخ حين قال إن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فتح دمشق أولاً سنة 636 هـ، ثم اتجه بعدها الى القدس سنة 637 هـ. وكذلك فعل صلاح الدين الأيوبي، أخذ دمشق أولاً عام 1184م، ثم حرر القدس عام 1187م. كما أن السلطان يافوز سليم استولى على دمشق أولاً عام 1516م، ثم أحكم قبضته على القدس. وها هي تركيا قد حررت دمشق في الثاني من شهر ديسمبر كانون الأول، من عام 2024.
بهشتي يطالب بالعودة الى قرار 242 لعام 1967:
وحذر بهشتي إسرائيل قائلاً “من كشروا عن أنيابهم في الجولان ولوحوا بأصابعهم نحو دمشق، ما هي إلا مسألة وقت أمام نزع أنيابهم وكسر أصابعهم في القدس. لذا على إسرائيل العودة عن أخطائها فوراً. فنحن لا نخاف ولا نستسلم أمام الصهيوني الوغد”.
وأضاف أنه إذا لم تنسحب إسرائيل من مرتفعات الجولان، فلا بد “من وضع إستراتيجية واسعة للعقوبات والنضال”. خاصة أن إسرائيل تنتهك قرار مجلس الأمن رقم 242، للعام 1967، الذي طالب بانسحابها من الأراضي التي احتلتها. وهدد بالقول “يجب أن تمتنع الهمجية الصهيونية عن اختبار تركيا أكثر من ذلك. فهذا أفضل لها على الأقل. ويجب عليها تجنب الاستمرار في اللعب بالنار المصحوب بأطماع الغزو، وممارسات الإبادة الجماعية.
خلاصة القول: تركيا أصبحت من دول المواجهة مع إسرائيل:
جاءت التهديدات التركية المشحونة، كرسالة قوية إلى الإسرائيليين، بأن تركيا قد أصبحت الآن جارةً لكم، وحدوها انتقلت، من الشمال إلى الجنوب، مسافة 500 كيلومترٍ، وأصبحت متاخمة لحدودكم، فحذاري أن تعتدوا على سوريا، لأن من يعتدي عليها كأنه يعتدي على تركيا. ومن اعتدى على تركيا سترد بمثل ما أُعتدى عليها.
وهكذا يمكن القول أن تركيا تتحدث الآن بوضوح كامل أنها أصبحت من ضمن دول المواجهة مع إسرائيل، وان على حكام الكيان التعايش مع هذه الحقيقة المرة بالنسبة لهم. على أمل أن تغير الرسائل من سلوك العدو الإسرائيلي وإلا فإنه سيواجه ما واجهه نظام بشار.
وفي هذا السياق لا ننسى كلمات الدكتور أحمد الطيبي، التي قالها في وجه المجرم نتنياهو، في الكنيست، وسط ذهوله، بأن “الظلم لا يدوم. ولم يبق دكتاتورُ في المنطقة، بعد بشار، إلا أنت. وستسقط أنت أيضاً”وما ذلك على الله بعزيز.