صدى الشعب – كتبت كريستين حنا نصر
تتجلى أهمية واضحة للمملكة الاردنية الهاشمية وثقلها في حلول الازمات والصراعات في المنطقة، وبشكل خاص في هذا التوقيت المعقد للأزمة السورية وتداعياتها المحتملة ، وهنا وبشكل محدد سأتجه نحو الكتابة والتحليل عن ثقل المملكة ودورها في سياق إمكانية حل الازمة السورية الراهنة ، ففي الماضي لعب الأردن دوراً مهماً في مبادرة خطوة مقابل خطوة وهي مبادرة دبلوماسية اطلقها الاردن عام 2023م لحل الازمة السورية ولكسب واعادة سوريا للحضن العربي وتخليها عن تدخل ايران وميليشياتها وتعويم النظام السوري، ومع كل هذه الجهود وللاسف لم تنجح هذه المبادرة ولأسباب كثيرة، منها عدم تعاون الرئيس السوري بشار الاسد -الذي أسقط نظامه مؤخراً- مع الدول العربية، واستمراره أيضاً في التحالف مع ما سُمي قوى تحالف المقاومة( الممانعة)، الى جانب استمرار تهريب المخدرات مروراً عبر الاردن باتجاه دول الخليج العربي.
كما اعتمد النظام السوري حينها على المداخيل او الايرادات المتأتية من تجارة الكبتاغون لتمويل دولته، التي كانت تعاني من حزمة العقوبات الأمريكية وأهمها قانون قيصر ( سمي قانون حماية المدنيين السوريين) والذي أصدره مجلس النواب الامريكي بتاريخ 22 كانون الثاني 2019م وتضمن عقوبات على الحكومة السورية ودولاً تدعمها مثل روسيا وايران لمدة عشر سنوات، الى جانب وجود حالة عدم قبول دولي للتطبيع مع النظام السوري وابرز الدول المعبرة عن هذا الاتجاه أمريكا، ويبقى السبب الرئيسي لعدم نجاح المبادرة الدبلوماسية هو ما يمارسه النظام السوري انذاك من الجرائم والانتهاكات لحقوق الانسان ليس في السجون فحسب بل بشكل واسع في سوريا وهي جرائم موثقة أثناء الحرب ، وقد اصبحت واضحة بعد سقوط نظام بشار الاسد فعلى سبيل المثال ما كُشف من جرائم في سجن صيدنايا وغيره من السجون والمعتقلات.
ان سقوط حزب البعث السوري المتمثل بحكم الرئيس حافظ الاب والرئيس بشار الابن ولمدة 53 عاماً من شأنه أن يدخل سوريا في مرحلة جديدة تشمل السعي للوصول الى سوريا جديدة، واعتقد انها سوف تكون سوريا جديدة ذات نظام ديمقراطي تعددي لا مركزي يحفظ لها وحدة كامل أراضيها، حيث تظهر التطورات اللاحقة المتسارعة هذا التوجه بعينه، والأهم اجتماع مدينة العقبة الاردنية بتاريخ 14 ديسمبر 2024م وهو اجتماع دولي عربي أممي انعقد لمناقشة الازمة السورية وبمشاركة وزير الخارجية الامريكي وممثلين عن الاتحاد الاوروبي وجامعة الدول العربية ، الى جانب مشاركة اللجنة الوزارية العربية والدولة التركية، ويتزامن الاجتماع مع المرحلة الجديدة لسوريا بعد اسقاط نظام البعث السوري الحاكم فيها، وقد اكد الاجتماع على ضرورة وضع خارطة طريق لتحقيق هدف انشاء دولة سورية جديدة تختلف كلياً عمّا كانت عليه سوريا سابقاً، ودخول سوريا الى مرحلة جديدة تتطلب نجاح العملية السياسية فيها لضمان انتقال السلطة وبشكل يضمن حقوق وتطلعات الشعب السوري ضمن اطار وحدة الاراضي السورية.
وأبرز مخرجات قمة العقبة هو دور الاردن المحوري في حل الازمة السورية بكامل توجهاتها، وهو توحيد الموقف العربي لضمان نجاح عودة سوريا كدولة عربية فاعلة في اقليمنا العربي، والاهم اطلاق العملية السياسية الجديدة ضمن تشاركية ايجابية لتحديد مصير سوريا المستقبل، وسوريا الجديدة وذلك بنجاح العملية السياسية فيها وبمشاركة كامل اطياف المجتمع السوري ضمن اطار واحد هو العمل المشترك الموحد، وبصورة تلتزم بوحدة سوريا بكامل اراضيها وتحريرها من أي احتلال خارجي لاراضيها، لضمان استقرارها وأمنها وسيادتها، والاهمية البالغة في هذه المرحلة الانتقالية تكمن في النجاح في تطبيق القرار الاممي (2254) بجميع بنوده، واهمها أن لا تكون الاراضي السورية منطقة ينطلق منها الارهاب والسعي نحو عمل ائتلاف لعملية سياسية جديدة ديمقراطية، خاصة في ظل مشاركة الاقليات السورية وبمختلف أطيافها بدلاً من حكم الطائفة الواحدة وتفردها بالسلطة، كما هو الحال في عهد حافظ وبشار الاسد من الطائفة العلوية، والتي تتحكم بمقاليد الامور وتحظى وحدها بالمكتسبات وعلى حساب باقي المكون السوري السني والاقليات الأخرى معه، كما أكدت قمة العقبة في الوقت ذاته على ضرورة ادخال المساعدات للشعب السوري أثناء مرحلة ما بعد سقوط نظام بشار الاسد، حيث لعب الاردن دور مهم في هذا السياق الانساني فأرسل العديد من قوافل المساعدات الاغاثية الانسانية، الى الشعب السوري.
يُضاف الى مخرجات قمة العقبة أيضاً وجود جهود فعلية نحو السعي الى ضبط الامن في سوريا وعدم إفساح المجال لانتشار الفوضى، خاصة بعد سنوات من الازمة السورية والاقتتال الداخلي ، كل ذلك ريثما الوصول الى تطبيق عملي لحل سياسي واستقرار نهائي في سوريا، وهنا يمكن القول أن هذا الجهد غايته الوصول الى سوريا الجديدة وضمن شرط أساسي هي ان يكون الحل سوري سوري بين جميع القوى الفاعلة المحلية على الأراضي السورية، وبدون أي تدخل لقوى خارجية، والتي كانت حاضرة وفاعلة في الحرب على الارض السورية ، وهنا بات واضحاً ومن خلال التطورات المتسارعة الاخيرة في المنطقة وابرزها تقليص النفوذ الايراني المتمثل بحزب الله في لبنان والعراق وسوريا، وأهم نقطة الان هي قطع خط الامداد بالسلاح من ايران وعبر الاراضي العراقية وتحديداً في هذا الوقت اليوم وبعد سقوط وهروب بشار الاسد، وبالتالي نجاح الثورة السورية بقيادة أحمد الشرع( الجولاني سابقاً) والجيش الوطني باسقاط حكم البعث السوري الحاكم فيها منذ عقود من الزمن، كذلك بعد فرار الجيش السوري من حماية حدوده مع العراق، حيث استلمت قوات سوريا الديمقراطية كامل السيطرة على معبر البوكمال الحدودي مع العراق، وتنبع اهمية السيطرة على هذا المعبر الحدودي القطع الكلي لخط الامداد من ايران عبر العراق الى سوريا ولبنان، وبشكل يفصل بين المتحالفين مع ايران من ميليشيات واحزاب في المنطقة العربية.
والآن في هذه المرحلة الجديدة وبعد سقوط نظام بشار الاسد قام وزير خارجية امريكا بلينكن بزيارة خاصة خاطفة وغير معلنة الى العراق مؤخراً، ناقش فيها مع الجانب العراقي الاوضاع بما في ذلك أهمية منع مرور اسلحة من ايران عبر العراق ، اضافة الى منع ايران من العودة من جديد لبناء طريق لوجيستي داعم لحزب الله في المنطقة العربية بما في ذلك امداده بالسلاح، خاصة في ظل ما يتضح من واقع فقدت فيه ايران نهائياً الأمل بالتعامل مع هيئة تحرير الشام أو الجيش الوطني المدعوم من تركيا والسبب الأساسي هو نجاح الثورة السورية وانهاء حالة الدعم الايراني لنظام الاسد منذ عام 2011م وحتى قبل ايام حيث كان سقوط هذا النظام، ولكن للاسف وحتى الآن وبعد سقوط نظام الاسد الا ان ايران تحاول اعادة نفوذها من جديد لسوريا، عبر دعمها الى حزب العمال الكردستاني العراقي والسوري(PKK) والمصنف عالمياً كمنظمة ارهابية والمتواجد في سوريا خاصة في مناطق سلطة قوات سوريا الديمقراطية في منطقة شرق الفرات في الشمال السوري، حيث توجد اشتباكات وقصف تركي على هذه المنطقة وهنا بات جلياً وجود الاحتلال التركي لمناطق غرب الفرات السورية، والان هدفها الرئيسي هو الاستيلاء على شرق الفرات في أماكن تواجد قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من أمريكا، وفي الوقت نفسه تركيا تحتل سوريا، وفي الكفة نفسها نجد أن تركيا هي لاعب اساسي في المرحلة الحالية للحل السياسي مؤخراً بعد سقوط النظام في سوريا، حيث صرح وزير الدفاع التركي مؤخراً أن تركيا ستدعم سوريا لإجراء انتخابات رئاسية جديدة حرة، وستسعى أيضاً الى بسط الأمن فيها واذا رغبت الحكومة السورية الجديدة باي تدريب عسكري ستكون حاضرة بالتدريب والتسليح ودعم الحكومة الانتقالية.
واعتقد أن الحل السياسي المنشود في سوريا من شأنه ان يستغرق وقتاً ، ريثما يتم تقليص النفوذ الخارجي فيها ويبقى الحل السياسي الأخير هو حل سوري سوري وبمشاركة كامل اطياف ومكونات الشعب السوري، وبالرغم من مساعدة عدة أطراف خارجية لتحقيق الحل السياسي المنشود، واتمنى أن تكون سوريا الجديدة ديمقراطية تعددية وبنظام لامركزي لسورية المستقبل، سورية الجديدة الاتحادية.