صدى الشعب – أحد أكثر السجون العسكرية السورية تحصينا، يطلق عليه “المسلخ البشري” بسبب التعذيب والحرمان والازدحام داخله، ولُقب بـ”السجن الأحمر” نتيجة الأحداث الدامية التي شهدها خلال عام 2008.
الموقع
يقع السجن قرب دير صيدنايا على بعد 30 كيلومترا شمال العاصمة دمشق، بني عام 1987، وينقسم إلى جزأين، يُعرف الجزء الأول بـ”المبنى الأحمر”، وهو مخصص للمعتقلين السياسيين والمدنيين، أما الثاني فيعرف بـ”المبنى الأبيض”، وهو مخصص للسجناء العسكريين.
التصميم
يتميز سجن صيدنايا بتصميم فريد يجعله أحد أشد السجون العسكرية تحصينا، ويتكون من 3 مبان كبيرة تلتقي في نقطة يطلق عليها “المسدس”.
يتكون كل مبنى من 3 طوابق لكل منها جناحان، ويحتوي الجناح الواحد على 20 مهجعا جماعيا بقياس 8 أمتار طولا و6 أمتار عرضا، تتراص في صف واحد بعيدة عن النوافذ، لكن تشترك كل 4 منها في نقطة تهوية واحدة.
نقطة المسدس هي منطقة تلاقي المباني الثلاثة، وهي النقطة الأكثر تحصينا في السجن، توجد فيها الغرف الأرضية والسجون الانفرادية.
وفيها كذلك حراسات على مدار الساعة لمراقبة المساجين ومنعهم من مشاهدة أي ملمح من ملامح بناء السجن أو وجوه السجّانين.
التأمين والتحصين
كشف تقرير صدر عن رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا عن 3 مستويات تمر بها المنظومة الأمنية للسجن، إذ تعتبر الشرطة العسكرية (الفرقة الثالثة للجيش السوري) هي خط الدفاع الأول لحماية الجدران الخارجية من التهديدات الأمنية ومنع هروب المعتقلين.
كما تتولى وحدات من اللواء 21 التابع للفرقة الثالثة تأمين الجزء الداخلي من السجن ومراقبة وتأديب المعتقلين، ويحيط بالسجن حقلا ألغام، داخلي وخارجي، أحدهما مضاد للأفراد والآخر مضاد للدبابات.
وتوجد أيضا وحدة معينة مختصة بمراقبة الاتصالات الأرضية واللاسلكية الواردة إلى السجن والصادرة منه، إضافة إلى جميع الاتصالات اللاسلكية القريبة.
المعتقلون
كان سائدا أن يفرز المعتقلون داخل أقسام سجن صيدنايا حسب التهم السياسية الموجهة إليهم، فكان يضم معتقلي جماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير الإسلامي وحركة التوحيد الطرابلسية.
كما ضم السجن معتقلين لبنانيين من أطراف عدة غير موالية لسوريا، وفلسطينيين متهمين بأن لهم علاقة جيدة مع المعارضة السورية، ومعتقلين شيوعيين ومن الأحزاب الكردية على اختلافها، إضافة إلى بعض العسكريين السوريين.
بدأ سجن صيدنايا منذ غزو العراق عام 2003 باستيعاب المتطوعين العرب العائدين من القتال في العراق وأعضاء تنظيم القاعدة.
وضم كذلك أشخاصا من تيار “السلفية الجهادية” والتنظيمات الإسلامية الصغيرة غير المعروفة، إضافة إلى الفارين من أحداث مخيم نهر البارد في لبنان، وشيئا فشيئا تحول إلى “سجن للجهاديين” بسبب ارتفاع أعداد المعتقلين العائدين منهم من العراق.
انتهاكات وتعذيب
دعت منظمة العفو الدولية الأمم المتحدة في فبراير/شباط 2017 إلى إجراء تحقيق مستقل لما يجري في سجن صيدنايا من إعدامات للمعتقلين بعد تقرير كشف إعدام قوات الجيش السوري نحو 13 ألف شخص شنقا بين عامي 2011 و2015.
وأفاد التقرير بأن ما بين 20 و50 شخصا يقتادون إلى المشنقة كل أسبوع في منتصف الليل.
وقالت وزارة الخارجية الأميركية عام 2017 إن الحكومة السورية لجأت إلى حرق آلاف السجناء في سجن صيدنايا، محاولة إخفاء عدد القتلى والتخلص من الأدلة التي قد تدينها بجرائم حرب.
ومن مظاهر المعاناة التي يعيشها سجناء صيدنايا أنه من الممكن منع الماء والطعام عنهم لفترات تصل إلى أيام عدة حتى أنهم يضطرون لشرب بولهم، بحسب ما صرح أحد المعتقلين السابقين في السجن.
ويعاني السجناء في صيدنايا أشد أنواع التعذيب، من ضرب بالخراطيم أو أنابيب التمديدات الصحية أو الهراوات وغيرها من الأدوات على نحو مستمر.
يستخدم السجانون ما يعرف بـ”بساط الريح أو السجادة الطائرة” للتعذيب، وهو أداة تتضمن لوحا قابلا للطي يُربط عليها السجين ويوجه وجهه إلى الأعلى، ثم يُحرك كل جزء من اللوح باتجاه الآخر.
ويُحرم المساجين في صيدنايا من الرعاية الصحية أو تناول الأدوية، ويهدد العسكريون النساء بالاغتصاب أمام أقاربهن إذا لم يعترفن بما نسب إليهن (حسب منظمة العفو الدولية)، كما سجلت حالات اغتصاب وتحرش جنسي للرجال والنساء.
كما صرح أحد الناجين من سجن صيدنايا للمنظمة بأن المساجين كانوا يُجبرون على الاختيار بين موتهم أو قتل أحد أقربائهم أو معارفهم.
غرف الملح
هي غرف تمتلئ أرضيتها بالملح بارتفاع نحو 20 إلى 30 سنتيمترا، وتستخدم لتعذيب المعتقلين نفسيا، كما توضع فيها جثث المعتقلين الذين قضوا نتيجة التعذيب أو التجويع.
ويُكتب رقم على كل جثة، وتوضع في الملح مدة 48 ساعة، ثم تنقل إلى مشفى تشرين العسكري بسيارة نقل المعتقلين لمعاينة الجثة وإصدار شهادة وفاة، ثم تُرسل إلى فرع السجون في الشرطة العسكرية ثم إلى المقابر الجماعية.
التمرد الأول بسجن صيدنايا
تغيرت قليلا حياة مساجين صيدنايا أثناء فترة تولي عقيد يدعى لؤي يوسف الإدارة العامة للسجن، إذ وُصف بأنه شخص “متفهم ومنفتح” وحاول تغيير السياسة العامة للسجن، فقد سمح لعائلات المساجين بالزيارات، وكان يقابل المساجين شخصيا ويتجاذب معهم الأحاديث، ووعد بتحسين المعاملة داخل السجن، فكان أحد أبرز قراراته دمج المساجين في الغرف والمهاجع دون النظر إلى التهمة السياسية الموجهة ضدهم.
وقد جمع عددا من “الإسلاميين المتشددين” مع آخرين متهمين بالتجسس لصالح إسرائيل، الأمر الذي ولّد توترا بين المساجين، وأسفرت عنه جريمة قتل نهاية 2005.
دخل سجن صيدنايا مرحلة جديدة من الشدة والحزم، وفُرضت عقوبات مغلظة بحق الإسلاميين فيه، وجرى تعيين مدير جديد يدعى علي خير بيك رفع حدة الإجراءات القمعية والعقوبات، أبرزها قطع التيار الكهربائي عن كامل السجن لأشهر عديدة.
وفي مارس/آذار 2008 فوجئ سجان بوجود خط كهرباء داخل أحد المهاجع، وأثناء محاولة معرفة مصدره أتى مدير السجن وبدأ بتعذيب رئيس جناح كل مهجع ومن بعده باقي السجناء، كما أرسل الكثير من المساجين إلى زنازين العزل الانفرادي.
نجح أحد المساجين بالهرب من أيدي معذبيه وساعده مساجين يقفون بجانبه، وبدأت حالة اشتباك بينهم وبين السجانين، وفتحت أبواب الزنازين وخرج الوضع عن السيطرة.
وأظهرت أوراق التحقيق أن التمرد تزامن مع استعدادات دمشق لاستضافة مؤتمر القمة العربية في 29 من الشهر نفسه، وحاولت السلطات تدارك الأمر دون لفت الانتباه، إذ وصل عدد من قادة الأجهزة الأمنية إلى صيدنايا لاستيعاب الموقف وطلبوا الاجتماع بمندوبين عن السجناء.
وسرعان ما توصلوا إلى اتفاق لإنهاء التمرد شمل إنهاء الإجراءات التعسفية التي مارسها علي خير بيك على السجناء، وفتْح الزيارات، وتحسين ظروف الاعتقال وإعادة النظر في المحاكمات.
وافقت الدولة على مطالب السجناء، وهكذا انتهى ما صار يعرف بالتمرد الأول الذي استمر يوما واحدا فقط، ثم دخل الاتفاق بين الدولة والسجناء حيز التنفيذ.
عصيان لأشهر عدة
لاحقا، عمّت أرجاء السجن حالة عصيان وفوضى وعدم انضباط للسجناء استمرت أشهرا عدة حتى فجر يوم 5 يوليو/تموز 2008 عندما قررت السلطات تحويل صيدنايا إلى سجن تأديبي.
بدأ عناصر الشرطة بتنفيذ إجراءات عقابية تعسفية، الأمر الذي أدى إلى انتفاضة المساجين، واستطاع أحد السجناء الالتفاف وراء الباب، ثم احتجز عددا من الجنود والضباط بمساعدة زملائه.
وفورا استنفرت الدولة وضربت طوقا أمنيا وعسكريا حول السجن، وبدأ إطلاق الرصاص والغاز المدمع بشكل عشوائي، بعدها استدعي مئات العناصر من قوات حفظ النظام والتدخل السريع التي حاولت تخليص أفراد الشرطة العسكرية لكن دون جدوى.
عُزِل علي خير بيك وعُيّن مدير جديد للسجن وهو العميد طلعت محفوظ الذي كان مديرا لسجن تدمر سابقا، وحاولت الدولة احتواء الموقف فأرسلت إلى الرئيس السوري بشار أسد مندوبا شخصيا عنه لحل الأزمة وهو اللواء منير أدانوف أحد رجالات الحكومة البارزين.
شكلت لجنة لتمثيل السجناء تكونت من 6 أشخاص لحل أزمة السجن والحد من إهدار الدماء، وتم الاتفاق على تسليم دفعات من الشرطة مقابل إخلاء الجرحى والمصابين من السجناء إلى المستشفى العسكري.
لكن السجناء الذين نقلوا إلى المستشفى تعرضوا لجولات من التعذيب والاضطهاد حتى أن عددا منهم قتلوا تحت التعذيب، وخلال أيام عدة سلّم السجناء جميع أفراد الشرطة المحتجزين، ولكن بقي السجن في حالة استنفار، واستمر الطوق الأمني حوله.
الحل الأخير
استمرت هذه الأزمة أشهرا عدة، ولكن طبقت الدولة حصارا كليا على السجن لأسابيع عدة بقطع المواد الغذائية عنه ثم الماء والكهرباء.
وفي 6 ديسمبر/كانون الأول 2008 بدأت المرحلة الأخيرة والأصعب، إذ أرسلت الدولة عددا من الرافعات وسيارات الإطفاء التي أحاطت بالسجن، واعتلى القناصة تلك الرافعات وبدأت عملية استهداف المساجين أينما كانوا.
حاول المساجين حفر نفق للنجاة بأرواحهم ولكن باءت المحاولة بالفشل، وفي أواخر ديسمبر/كانون الأول 2008 قررت الحكومة السورية إخلاء سجن صيدنايا ونقل المعتقلين إلى سجن عدرا المدني.
أخلي السجن بالكامل ما عدا 20 شخصا رفضوا الخروج، ولكن بعدما مشطت الدولة السجن قتلت عددا منهم واعتقلت الآخرين، عندها انتهى العصيان الذي استمر نحو 9 أشهر متواصلة، ولاحقا استدعي أكثر من 100 شخص للتحقيق بتهمة قيادة التمرد وعرضوا على محكمة أمن الدولة فحكمت على 6 منهم بالإعدام، ونتيجة لهذه الأحداث أصبح صيدنايا يعرف بـ”السجن الأحمر”.