في مشهد لا يُنسى من المسلسل الأردني الشهير “دروب الحنة”، وقف الفنان القدير شايش النعيمي يلقي كلمات عفوية، لكنها أعمق مما تبدو، وكأنها رسالة زمنية موجهة لعمان: “عمان يا مبعدك عمان، يا مقربك ع الحناتيري”.
تلك العبارة التي يقال إنها مستوحاة من هجينية قديمة، عكست واقعاً بسيطاً لعمان في أيام كانت فيها السيارات تُعد على أصابع اليد، وكانت الشوارع هادئة تتنفس الصباح بلا صخب، تكتفي بضجيج الحناطير التي تقطع أزقتها بخفة حسب ما كان يقال لنا ممن سبقونا إلى ديار الحق.
لكن الزمن تغيّر عمان اليوم باتت مدينة تتكدس فيها السيارات وتتسابق على شوارع أصبحت أقرب إلى متاهة، فالبنية التحتية، التي كان من المفترض أن تتطور مع هذا الزحف العمراني والسكاني، بقيت عالقة في زمن بعيد، وفي أيام الشتاء، حين تهطل السماء بخجل على المدينة، تتحول الشوارع إلى بحيرات مؤقتة، تكشف ضعف التخطيط وغياب الحلول الحقيقية حالها حال باقي محافظات والتي تعاني من ضعف البنية التحتية.
وحتى المركبات الكهربائية، التي يُروج لها باعتبارها مستقبل التنقل، لم تُقرّب المسافات، ففي ظل شوارع مزدحمة وشبكات طرق تئن من ضغط الاستخدام، تبدو عمان بعيدة على الدوام، سواء كنت على متن الحناتيري أو خلف عجلة قيادة أحدث السيارات.
كلمات شايش النعيمي، التي صيغت على لسان شخصية من زمن بسيط، أصبحت شاهداً على واقع معقد، عمان التي كانت قريبة بالروح والمسافة، أصبحت مدينة متعبة، تحتاج إلى استراحة، إلى خطة تعيد لها توازنها، وتُخرجها من دوامة الزحام والغرق الموسمي.
ربما، إن سمع شايش النعيمي هذا الواقع اليوم، لقال: “يا عمان… لا حناطير بتقربك ولا بنية تحتية بتريحك”.