صدى الشعب – كتب د. إبراهيم بدر الخالدي
كنا نسمع بالوسائل التي تصبح غايات ، وكنا نظنها مجرد مظهر بيروقراطي نظري غير موجود على أرض الواقع ، حتى شاهدناه عيانا مجسداً بوضوح في سياسات وزارة التربية والتعليم . ومن هذه الوسائل الغائية المعتمدة في الوزارة ما يسمى بالتخطيط السنوي ودفاتر التحضير . فأما التخطيط السنوي ، فالوزارة تلزم مديري المدارس بإعداد خطط سنوية في بداية كل عام دراسي ، على أن تُعد مطبوعة موقعة ممهورة ، كالخطة التطويرية ، والخطة الإجرائية ، وخطة النمو المهني … وسواها ، ويتفرع عن هذه الخطط الاستراتيجية خطط فرعية لا أول لها ولا آخر ، وليس للمديرين أدنى قناعة بجدواها ، وليس لديهم من الوقت ما يمكنهم من تنفيذها إن توافرت القناعة بها ، ونحن على مثل اليقين أن معظم خطط المدارس إن لم تكن جميعها تقف عند آخر سطر مكتوب فيها ، ولا تترجم إلى برامج عملية لتمضي بها إلى غاياتها . وبذلك جعلت الوزارة من الخطة غاية في حد ذاتها ، لا وسيلة لتحقيق الأهداف المدونة فيها ، أي اكتفت بالجعجعة دون الطحن .
ومما يدل على عدم القناعة بها أن المديرين ينقلونها عن بعضهم البعض كما هي دون تغيير أو تعديل ، وحدث أن نقلها بعضهم دون تغيير اسم المدرسة المنقولة منها ، أو تغيير تاريخها الذي يعود إلى عدة سنوات خلت .
أما دفتر التحضير الذي يمثل عبئاً ثقيلاً يقع على كاهل المعلمين ، وهماً يملأ قلوبهم ، وقلقاً متكرراً يتولد لديهم في كل يوم تدريسي ، يدون فيه المعلمون – في الغالب – عبارات وجمل مكررة غير متناسقة وغير منسجمة ، من باب رفع العتب أو دفع الملامة ؛ ليكون جاهزاً لتقديمه عند الطلب ، ولا يستفاد منه داخل الغرفة الصفية ، ولا يوظف التوظيف الذي تأمله الوزارة ، وهو يمثل باباً واسعاً من أبواب التبذير والإسراف والهدر المالي الممنهج . فلو افترضنا أن المعلم يستهلك في العام الدراسي دفترين من دفاتر التحضير بالمتوسط ، علماً أن ثمن الدفتر الواحد بحدود 5و1 دينار ، ولو جمع ثمن هذه الدفاتر لتوافر لدى الوزارة سنوياً ما يقارب النصف مليون دينار أو يزيد ، وهو مبلغ كاف لبناء مدرستين نموذجيتين كل عام ، أو صيانة عشرات المدارس ، أو توفير التدفئة للمدارس ذات الحاجة . فهذا أولى من خطط شكلية لا علاقة لها بالتدريس ولا بالتحصيل العلمي .
فماذا يضير الوزارة لو كلفت جهاز الإشراف التربوي فيها بإعداد الخطط اليومية لكافة المباحث بطريقة علمية ميسرة مبسطة ، مراعية الجوانب الموضوعية والشكلية التي تراها الوزارة مهمة في هذا الأمر ، وتوزعها على المدارس مطبوعة منسقة في بداية كل عام دراسي عن طريق الشابكة أو أية وسيلة اقتصادية أخرى ، كما هو معمول به في بعض الدول العربية ، وبذلك نوفر جهود المعلمين وأوقاتهم التي يبذلونها في إعداد الخطط اليومية ، ونفرغهم لإعداد الوسائل التعليمية والتعمق في تخصصاتهم .
إن بعض المنظرين الذين يصرون على تمرير نظريات وأساليب تقليدية أو مستوردة ، لا يدركون بعد أن الزمان قد تغير ، وأن ما كان مناسباً فيما مضى لم يعد كذلك في الوقت الحاضر ، وأن ما يناسب المصدرين غير الذي يناسب المستوردين ، ولا ندري لماذا الإصرار على أمر لا طائل منه ولا نائل ؟!