صدى الشعب – فايز الشاقلدي
كتب آدم بوسولكسي عن سيكولوجية الأعمار وكيف تتطور رغباتنا وتستقيم شخصياتنا في سن الثلاثين فقال: “حين تبلغ الثلاثين، لن تستطيع أن تتظاهر لفترة أطول. سيغدو من المستحيل أن تعمل في وظيفة تكرهها، أو تقيم علاقة مع شخص لا تحبه، أو تعامل جسدك باستخفاف. بعد الثلاثين ستبدأ بالشعور بشكل أقوى. ستكون متصلًا بشكل أكبر مع جسدك, قلبك, وروحك.
بعض هذه التغييرات قاسية. سيبدأ جسدك برفض الأشياء التي لا يتواءم معها، كالقهوة، تناول الكحول، والسهر طوال الليل. قلبك سيكترث بشكل أقل للعلاقات العابرة وسيكون أكثر توقًا للانغماس بعمق مع شخص تحبه بالفعل. روحك أكثر اتساقا مع رغباتك الحقيقية. في ثلاثينياتك، ستتوقف عن مخادعة الآخرين، وستتوقف أخيرًا عن مخادعة نفسك. في ثلاثينياتك، ستبدأ بالتعرف على من تكون وماذا تريد. في ثلاثينياتك، ستكون أكثر ثقة في مواطن قوتك، لكن الأهم من ذلك، ستقر بمواطن ضعفك. في ثلاثينياتك، ستستبدل الأعذار بما هو حقيقي. في ثلاثينياتك، الآلام اللاحقة على تناول الكحول ليست مجرد صداع في صبيحة يوم الأحد، ستغدو أسوأ يوم في حياتك.
في الثلاثين أفعل ما يحلو لي في ليالي الجُمَع. في الغالب، أمكث في المنزل وأقرأ كتابًا أو أشاهد النتفلِكس. أرتدي بنطالا رياضيا حالما أرجع إلى البيت، وأكون في السرير عند التاسعة مساءً. إن قررت الخروج فسيكون مثل ليلة الجمعة الماضية، حين ذهبت إلى فصل مسائي لليوجا مع صديقيّ كيڤن وزيب، ثم تناولت سباگيتي الرامِن مع شاي رعي الحمام بالليمون.
كنت أنظر إلى كبار السن الذين يستيقظون مبكرا على أنهم من كوكب آخر. أتذكر حين كنت في الجامعة، كنت مع أقرب أصدقائي أثناء العطلة الشتائية, ورجعنا إلى منزل والديّ في الساعة الخامسة صباحًا بعد حفلة استمرت طوال الليل. ولج صديقي الثمل غرفة الجلوس, وتعثر ثلاث مرات وحده, والتفت ليجد والدي مستيقظا ويهم بربط حذائه ليخرج للجري. أنا لازلت حتى الآن لا أستيقظ في الخامسة لكن -أظن أنه يجب عليك أن تكون في الخمسينات لتبدأ بفعل ذلك – أحلى أيامي هي حين أكون في الخارج منذ الصباح الباكر, أستنشق هواءً نقيا وأمارس الرياضة.
تريد أن تصاحب كل الناس حين تكون في العشرينات. كل ما ترغب به هو أن تلتقي بأشخاص، وتريد أن يجتمع كل أصدقائك مع بعضهم البعض. ترتب تلك اللقاءات الكبيرة، “يوم السبت، كلنا سنذهب إلى…”, حيث تدعو ٥ أو ١٠ أو ٢٠ صديقا مختلفا إلى حفلة راقصة أو حفلة لمشاركة الطعام.
في ثلاثينياتك تصير تلك اللقاءات الجماعية لا تطاق. في ثلاثينياتك تعرف من هم أصدقائك الحقيقيون. حمدا لله, بعد سنوات من نقاشات مزيفة من نوع “هيا لنلتقِ”، اللقاءات الجماعية تستبدل بلقاءات من نوع واحد إلى واحد. من حين لآخر، أرغب في الذهاب إلى حفلة كبيرة, لكن في أغلب الأوقات فقط أريد أن أقضي بعض الوقت الحميمي بالتحدث مع شخص أكترث به بشدة، شخص سيكون فعليا جزءً من حياتي, شخص سيكون موجودا في حفل زفافي – ليس شخصا فقط يضغط على زر الإعجاب على صوري في الفيسبوك.
كم هو مبهج أن تعامل جسدك وقلبك بالمزيد من الحنان، أن تقترب لما تكون ولما تريد, أن تجلس في المنزل أثناء ليلة الجمعة, وتقضي الوقت مع أشخاص أنت ترغب بالفعل بأن تقضي وقتك معهم.
لابد ان لكل مرحلة من حياتنا نكهتها وتجاربها لكن أمتعها في الثلاثين، ومما لا شك فيه أن العمر قصير يجب ان لا نضيع المزيد منه هباء.