صدى الشعب – كتب محمد داودية
غاب فخري قعوار، الكاتب العميق، الصلب الرقيق، الذي كان يقطر ودًا ولطفًا، الذي تميز بمقالة يومية ذات فوهتين:
السخرية الحادة من الأوضاع المقلوبة على رأسها، مما يضطر المرء إلى الوقوف على رأسه ليراها على قدميها،
والنقد الجَسور الذي كان يطربنا، لكنه أدى إلى فصله من عمله بجامعة اليرموك، وإلى دخوله في ضنك “الحي الذي لا يُرزق” !!
كان ذاك حين العالم كله يبدأ نهاره بقراءة مقالات الصحف: الملوك والرؤساء والسفارات والاجهزة والجواسيس والعملاء والسياسيون ورجال الأعمال والمثقفون والحزبيون والنقابيون.
كان للمقالة حضور وتأثير، لدرجة انها قد تخلق مشكلة، أو تردم فجوة بين دولتين.
فقد حصل ان عاتب الرئيسُ الفرنسي، الملكََ الحسين وهو يستقبله في الإليزيه، على مقالة لخالد محادين في صحيفة الرأي.
فخري وأنا من مواليد الإجفور- الرويشد، عشنا معًا في المفرق، وخضنا معًا انتخابات رابطة الكتاب الأردنيين ونجحنا، هو رئيس للرابطة وانا عضو في هيئتها- وأكاد اقول في هيبتها- الإدارية.
وكان ذلك لدورتي 1991 و 1992.
وعملنا معًا في صحيفة الأخبار -أغلقت سنة 1980-، كان فخري يكتب مقالته اليومية بعنوان “شئ ما” على الصفحة الأولى، ثم انتقل بها إلى صحيفة الرأي، وكنت اكتب مقالتي اليومية “عرض حال” على الصفحة الثانية، ثم انتقلت بها إلى صحيفة صوت الشعب، فصحيفة الدستور حتى اليوم.
وكما قدّره كُتابُ الأردن، حين انتخبوه رئيسًا لهم، قدًره الكتابُ العربُ فانتخبوه رئيسًا للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب مرتين على التوالي.
وعملنا في التدريس معًا لمدة تزيد على 10 أعوام.
وكنا معًا عضوين في نقابة الصحفيين وفي رابطة الكتاب الأردنيين.
خاض أبو أنيس الإنتخابات النيابية عام 1989 ونجح تحت شعار: “هزم الأحزابَ وحده”. وخضتها في الدورة التي تلت ونجحت تحت شعار “لن أساوم على ثقتكم”.
وما تزال -وستظل- كلمته تحت القبة في جلسة الثقة بدولة مضر بدران، من أهم وأكثر كلمات النواب الأردنيين جرأة وقوة وخلودُا.
وأظن ان شهرة فخري قعوار لمدة 4 أعوام نيابة، تعادل شهرته ككاتب لمدة 60 عامًا !!
عزيت برفقة الصديق الشاعر الكبير الأستاذ حميد سعيد، أمين عام اتحاد الكتاب العرب سابقًا، مساء يوم الخميس، فوجدت الأردن بكل اطيافه هناك، الرؤساء والوزراء والأعيان والنواب والمدراء والكُتاب:
طاهر المصري، عبد الكريم الكباريتي، سمير المبيضين، هاشم أبو حسان، محمود الريماوي، غطاس الصويص، هزاع البراري، فاروق الحديدي، فارس تادرس، عادل قموه، …
وحدثني الصديق أسامة الرنتيسي عمن
حضر الدفن فذكر : الصديق مصطفى الرواشدة وزير الثقافة، والعين الدكتور يوسف القسوس، والنائب المحامي صالح العرموطي، والدكتور منذر حدادين، والدكتور حازم الناصر، والصحفيين الزملاء عمر عبندة ومجيد عصفور ونبيل غيشان، وقيادة الحزب الشيوعي وغيرهم كثير.
عزيت أشقاءه عاطف وفتحي وفكري وفايق وفارس، وعزيت زوجته، ونجليه أنيس وبهاء، وابنتيه أميمة ومجد.
قلت لهم أن محبة فخري مؤشر على مكانته ودوره وفضله، وعلى أصالة أبناء شعبنا الذين يحفظون المآثر والأفضال.
واستذكرت وانا أمر على وجوه المعزين قصيدة أحمد شوقي في رثاء الحسين بن علي ملك العرب وسيدهم:
فَاِرفَع لِنَفسِكَ بَعدَ مَوتِكَ ذِكرَها،
فَالذِكرُ لِلإِنسانِ عُمرٌ ثاني.
لقد رفع فخري ذكرَ نفسه فحقق عمرًا ثانيًا بجدارة.